للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما شاع [عنه] (١) ما رزقه الله من الجهاد والعدل والإحسان إلى الرَّعية، حَسَدَه أقوامٌ على باب السُّلْطان وطعنوا عليه، وراموا فسادَ حالة، وكَتَبَ إليه بذلك [مِنْ أصدقائه] (١) مَنْ يُؤْثِرُ إصلاحَ حالة، فاقتضتِ الحالُ أنْ سار بنفسه إلى بغداد، ومعه من الهدايا والتُّحَف ما يليق بالخليفة والسُّلْطان، فَبُولغ في إكرامه واحترامه، [وفُعِلَ في حقِّه ما قدَّمناه] (٢)، وشُرِّف بالخِلَعِ الخليفية، والسُّلْطانية، وكُتِبَ له المنشور السُّلْطاني بولاية الشَّام حَرْبًا وخَراجًا، وإطلاق يده في ارتفاعه (٣) على حَسَبِ اختياره، من إنشاء أبي إسماعيل الأصفَهاني الطُّغْرائي، فكان منه بعد البسملة:

هذا منشور أَمَرَ بإنشائِهِ السُّلْطان المُعَظَّم غياثُ الدُّنيا والدِّين أطال الله [بقاءه] (٤) وأعزَّ أولياءه، ونَصَر لواءه، وخَذَلَ أعداءه، وحمى حَوْباءه (٥)، الأَمير الأَجَل الإسْفِهْسِلَّار (٦) الكبير ظهير الدين أتابك، أدام الله تأييده، لمّا بأن تمسُّكُه من الطَّاعة بأحكمِ علائِقها، واعتصامه من الخِدْمة بأوكدِ وثائِقها، ولما أجْلَتِ التَّجاربُ منه عينَ النَّاصح الأريب، والمهذَّب اللَّبيب، المندرج في مراقي الرُّتَب السَّنِيَّة بالمساعي الرَّضِيَّة، والذَّبِّ عن حَوْزة الإِسلام، ومواقفه المشهودة العِظام، ومقارعته الأعداء، والاستقلال بعظيم الأعباء، فرأيناه أَحقَّ بملابس الإنعام، وبما حُبيَ به من الكرامة بأَوْفر الأقسام، ففوَّضْنا إليه أمورَ الشَّام. وذكر ما جَرَتْ به العادة في العُهود (٧).

وفيها صالح بردويل صاحبُ القُدْس الأفضلَ بنَ أَمير الجيوش، وكان قد أخذ في السَّبْخة المعروفة اليوم به (٨) قافلةً عظيمة جاءت من مِصر، فرأى الأفضلُ مهادنته، وأَمِنَ النَّاس.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش)، وانظر ص ٧٨ من هذا الجزء.
(٣) أي إيراده وخراجه، انظر "معجم متن اللغة": ٢/ ٦٢١.
(٤) ما بين حاصرتين من (ب).
(٥) الحوباء: النفس، "معجم من اللغة": ٢/ ١٨٦.
(٦) لقب كان يطلق على مقدم العسكر، انظر "معجم من اللغة": ١/ ١٧٥.
(٧) انظر "ذيل تاريخ دمشق" لابن القلانسي: ٣٠٦ - ٣١٣.
(٨) في (م) و (ش): المعروفة بسبخة بردويل، قلت: قال محمَّد رمزي: ويقال لها بحيرة بردويل، واقعة على شاطئ البحر المتوسط، شرقي بور سعيد، وعلى بعد ٩٠ كم منها، وهي لم تزل موجودة إلى اليوم. انظر "النجوم الزاهرة": ٥/ ١٧١ حاشية رقم ٤.