للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الجاحظ: كان بهمن يُدعى أردشير الطَّويل الباع، لأنه كان يتناول ما تمتدُّ إليه يده من الممالك، ويقال: إنه بنى الأُبُلَّة، ويقال: إنه جدُّ دارا الأكبر، وقيل: أبوه وأبو ساسان (١).

وكانت لبهمن ابنةٌ يقال لها: خُمانى، حملت من أبيها بدارا الأكبر (٢)، وكانت أديبةً عاقلةً، وكان ساسان قد ولده بهمن من امرأةٍ أخرى، فسألت خمانى أباها أن يَعقِد التاج على بطنها لدارا، ففعل، وكان ساسان يتوقَّع المُلك، ومات أبوه، ومال إليها أهلُ المملكة لإحسان أبيها إليهم فملَّكوها.

فلما رأى ذلك ساسان تعبّد وتنسَّك، ولَحِق بجبال إصطَخْر، واتّخذ غُنَيْمَةً، وكان يتولَّاها بنفسه -وهذا هو ساسانُ الأكبر، أما ساسان الأصغر فهو أبو الفرس الثانية- ولما اتَّخذ الغُنَيمة استقبح الناسُ هذا، وقالوا: صار ساسانُ راعيًا.

ثم وضعت خمانى بعد شهور من موت بهمن دارا بن بهمن، وكانت قد استولت على الممالك، وجَهَّزت الجيوش إلى الروم، فمنعَتْهم عن التطرف إلى بلاد فارس، وعاش الناس في أيامها.

فلما وضعت دارا أَنِفت من إظهاره لاستقلالها بالملك، فجعلته في تابوتٍ، وجعلت معه جوهرًا نفيسًا، وألقتْه في نهرٍ من أنهار إصطخر، فساقه الماء إلى طاحونةٍ لرجل من أهل إصطخر، ففتح التابوت، فرآه ورأى ما معه فقال: لهذا شأنٌ. وكتم أمره، وربَّاه، وعلَّمه الفروسية.

وظهر أمره للفرس، وبلغ أمَّه، فأحضرت الأساورة وأحضرتْه، واعترفت أنه ابنُها من بهمن، وحوَّلت التاج عن رأسها ووضعته على رأسه، وفوَّضت إليه أمرَ المُلك، وانتقلت خمانى إلى إصطخر، وبنت مدينةَ إصطخر، وأقامت ثلاثين سنةً عادلة محسنة عاقلة.


(١) ذكره ابن الجوزي في المنتظم ١/ ٤١٦ دون عزو للجاحظ، ولم نقف عليه في كتبه.
(٢) في هامش (ك) حاشية نصها: لعن الله المجوس، كيف تتحرك جوارحهم وشهواتهم على بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم، فهذا من فساد مركوز في جبلاتهم، لعنهم الله.