للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قلتُ: وهذه الدار بناها بِهروز الخادم من أنقاض النَّاس، واستعمل في عِمارتها أهلَ بغداد حتى القُضَاة والأشراف والأعيان، وكانوا ينقلون الأنقاض في طيالستهم (١)، ولما كَمَلَت أمرهم بِهروز أنْ يحملوا إليها الفُرُش والبُسُط والآنية وغيرِها، فَحَمَل النَّاس إليه أنواعَ الفُرُش والأواني والثِّياب، لا جرَمَ أنَّ مآلها كان إلى الحريق والخراب، وقد رأينا في الشَّاهد أَنَّ كلَّ دارٍ بُنِيَتْ على وَجْهِ الاغتصاب سيكون مآلُها إلى الاندراس والتَّباب] (٢).

والعجبُ أَنَّ الخبر وصل بعد يومين من حريقها أَنَّ جامع أصبهان احترق [في هذا الأوان] (٢). وذهب منه من الأخشاب ما ثمنه ألف ألف دينار، واحترق فيه خمس مئة مُصحف، عليها صفائحُ الذَّهب والفِضَّة، ومن جُملتها مُصحَفٌ بخطِّ أُبَيّ بن كَعب، ويقال: إنَّه كان بين الحريقين ثمانية أيام (٣).

[وقدم من أصبهان القاضي أبو القاسم إسماعيل بن أبي العلاء صاعد بن محمد البخاري الحنفي، ويعرف بابن الدَّانْشَمنْد مدرِّسُ الحنفية، وجَلَسَ في دار السُّلْطان، ووعَظَ، وحَضَرَ السُّلْطان وجميعُ أصحابه] (٤).

وفيها خلع الخليفةُ على السُّلْطان بعد أن بعث إليه قاضي القضاة الزَّينبي وابنَ الأنباري وإقبال ونَظَرَ والأماثل، فاستحلفوه على الطَّاعة والمناصحة (٥).

فلما كان يوم الاثنين رابع شعبان جلس المسترشد في مجلس الخلافة [على عادته] (٢)، وبينه وبين النَّاس ستارةٌ على الشُّبَّاك، والخليفة على السُّدَّة، وجاء وزير السُّلْطان [أبو طالب] (٢) السُّمَيرمي، فوقف عن يمينِ السُّدَّة، ووزير الخليفة ابن صدَقَة عن يسارها، والأعيانُ وقوفٌ بين يديها، واستُدعي السُّلْطان [محمود] (٢) من داره، فجاء، ودخل إلى صحن السَّلام، ويده في يد أخيه مسعود، ورُفِعَتِ السِّتارة، وخَدَمَ [السُّلْطان] (٢) محمود وأخوه مرارًا، وقبَّلا الأَرْضَ، وحُمِلَ محمود إلى مكانٍ تفاضُ فيه


(١) انظر حاشيتنا رقم ٥ ص ٧ من هذا الجزء.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) انظر "المنتظم": ٩/ ٢٢٤.
(٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش)، وانظر المصدر السالف.
(٥) "المنتظم": ٩/ ٢٢٤ - ٢٢٥.