للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها كانت وقعة عظيمة بين إيلغازي والكُفَّار على تَفْلِيْس، وسببها أنَّه كان قومٌ من أهل تفليس، يقال لهم بنو جعفر، وقد ملكوها، فأقاموا مئتي سنة، ثم انقرض كبارهم وبقي شُبَّانُهم، فوليها الشُّبَّان كلُّ واحدٍ شهرًا، فأقاموا على ذلك أربعين سنة. وكان داود ملك الأبخاز والكُرْج قد ضايقها [مضايقة شديدة] (١)، فأرسلوا إلى طغريل بن محمد شاه، وهو صاحب أرَّان، فبعث إليهم شحنةً فما نفع، فكتبوا إلى إيلغازي، فسار إليهم في عسكره ومعه دُبَيْس.

كذا وقعت هذه الرِّواية، فيحتمل أنَّ الواقعة كانت في أول هذه السَّنة (٢)، قبل عَوْدِ دُبَيْس إلى بغداد - قالوا: وسار إيلغازي [إلى بغداد ومعه دُبَيْس بن صدقة ملك العرب] (٣)، وكان صهره على ابنته كهارخاتون [بنت نجم الدين إيل غازي] (١) وكاتَبَ إيلغازي الأطراف: شمس الدولة طُغان صاحب أرْزن، وبَدْليس والسُّلْطان طغريل وغيرهما، وكان الموعد بابَ تَفْليس، فتخلَّف بعضُهم عن الميعاد، ووصل إيلغازي قريبًا من تفليس، فنزل على أقل من نصف يوم، ولم يكن وصل أحد من عساكر الأطراف، فتحدَّر عليهم الملك داود من الجبل في عساكر عظيمة، فهزمهم، وغَنِمَ أموالهم، وأخذ شيئًا عظيمًا، وهرب إيلغازي ودُبَيْس، ثم نازل داود تفليس وفتحها بالسَّيْف عَنْوَة، وأحرقها، ونهبها، ثم طيَّبَ قلوبَ أهلها، وسألوه أشياء فأبقاها عليهم، وهي جاريةٌ إلى هلمَّ جرَّا؛ [منها أن لا يتعرض لدين الإسلام بمكروه و] (٤) منها أنه لا يذبح فيها خنزير، وأن يضرب على الدَّراهم والدَّنانير اسم الله ورسوله والخليفة، وأن تقام الجماعاتُ بالأذان، والخُطْبة يوم الجمعة، وأن لا يدخل الكُرْج الحمَّام مع المسلمين، وأن لا يؤذي كافِرٌ مسلمًا، فالتزم لهم جميعَ ذلك.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) ذكر هذه الواقعة باختصار ابن القلانسي في "ذيل تاريخ دمشق": ٣٢٦ في حوادث سنة (٥١٥ هـ)، وكذلك ذكرها مطولًا الفارقي كما ذكر محققه في حاشيته، وذكرها ابن الأثير في "كامله" ١٠/ ٥٦٧ في حوادث سنة (٥١٤ هـ)، وذكر أن استيلاء الكرج على تفليس كان سنة (٥١٥ هـ)، وانظر: معجم البلدان": ٢/ ٣٦.
(٣) في (ع) و (ب): وسار إيلغازي ودبيس، وما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) ما بين حاصرتين من (م).