للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأرسل الخليفةُ مضاربه فَضُربتْ بالرَّمْلة (١)، وأصبح فنزل في شبَّارةٍ مُصعِدًا إلى التُّسْتَريين (٢)، وفي صَدْرِ السفينة يرنقش البازْدار، وبيده سيفٌ مسلولٌ، وسُنْقُر الأحمديلي قائمًا بين يديه، والخدم والخواصّ حوله، وصَعِدَ من الشَّبَّارة، وركب ومضى إلى المضارب، والناسُ مشاةٌ بين يديه، ومشى الملكان مسعود وداود بين يديه مسافةً يسيرة، وأمرهما بالركوب، وسيِّرهما إلى هَمَذَان، وضَمَّ إليها نَظَر الخادم، ومعه مهدُ الخليفة، وخيمة سوداء، ولواءٌ أسود، وخرج إليهم طُغْريل، فهزموه، واستقرَّ مسعود بهمذان، ووثَبَ جماعةٌ من الباطنية على الأحمديلي، فقتلوه. واتُّهم مسعود أَنَّه وَضَعَهم عليه.

وفيها عَزَمَ المسترشدُ على المسير إلى المَوْصِل، وعَبَرَ، ونزل في الدَّار الزَّكوية التي على الصَّراة، ثم رَحَلَ إلى الرَّمْلة ومعه نيِّفٌ وثلاثون أميرًا واثنا عشرة ألف فارس، وكان بِهْروز بقلعة تكريت، فأَرْسَلَ إليه الخليفة بالنزول عنها وتسليمها والمال الذي فيها، فأجابَ بأني رجلٌ كبير، ولا طاقةَ لي بالخِدْمة. وأرسل بالمال والضِّيافات، فأعفاه من النُّزول.

وسار الخليفةُ إلى المَوْصِل، فوصَلَها في العشرين من رمضان، فأقام ثمانين يومًا على حِصارها، وبَعَثَ إليه زَنْكي: أنا أُعطيك الأموال، وأدخل في الطَّاعة، وارْحَلْ عني. فلم يجبه.

ثُمَّ رَحَلَ عقيبَ ذلك، لأَنَّه بلغه أنَّ مسعودًا غَدَرَ بالأحمديلي وقَتَلَه، وخَلَعَ على دُبَيس. وعاد الخليفةُ إلى بغداد في ذي الحِجَّة.

وفيها فَتَحَ شمسُ الملوك صاحبُ دمشق بانياس، وكان الفرنج لما أخذوها طَمِعُوا في المُسْلمين، وقووها بالرِّجال والسِّلاح، وعزموا على نَقْضِ الهُدْنة، وبلغ شمسَ الملوك، فسار إليها بخَيْله ورَجْلِهِ، وقاتلهم قتالًا شديدًا أيامًا، فلمَّا كان يومُ الأحد غُرَّة صَفَر زَحَفَ إليها، وترجَّل وترجَّلَتِ العساكر بأَسْرها، وطمُّوا الخندق، وهَجَموا البلد، وقتلوا من الفرنج خلْقًا كثيرًا، والتجأ الخَيَّالة والفرسان إلى الحِصن، فحصرهم،


(١) الرملة: محلة كانت نحو شاطئ دجلة مقابل الكرخ ببغداد. "معجم البلدان": ٣/ ٦٩.
(٢) محلة كانت ببغداد في الجانب الغربي بين دجلة وباب البصرة، يسكنها أهل تُسْتر، وتعمل بها الثياب التسترية. انظر "معجم البلدان" ٢/ ٣١.