للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هُنَّ الحَمَامُ فإنْ كَسَرْنَ عِيافَةً … حاءَ الحَمَامِ فإنَّهُنَّ حِمامُ (١)

وخلاصي في حِمامي، فيا ليتني تخلَّصتُ من الأَسْر والذُّلِّ والحَجْر عليَّ بالموت. فَقُتِلَ بعد يومين.

ولما كان في اليوم السَّادس عشر من ذي القَعدة وَصَلَ الخبر بأن رسولًا من عند سنجر واصِلٌ نهار غدٍ يأمر مسعودًا بأن يعيد الخليفة إلى بغداد، ووصل مع الرَّسول سبعة عشرة رجلًا من الباطنية في زِيِّ الغِلْمان، وادَّعى مسعود بعد ذلك أنه لم يعلم بهم، وكَذَبَ بل اتَّفق هو وسنجر على الفَتْك بالخليفة، ودليلُه أَنَّ مسعودًا أفرد لهم خيمةً [قريبة من الخليفة] (٢)، وأكرمهم، ولم يخفَ على النَّاس فعلُه، وإنما قَصَدَ دفع التُّهَمة عنه، ولم تندفع.

فلما كان يوم الخميس سابع عشر ذي القَعدة ركب مسعود والعساكر لتلقِّي رسول سنجر، فلما أَبْعَدَ، هَجَمَتِ الباطنيةُ على الخليفة، فضربوه بالسَّكاكين حتى قتلوه، وقتلوا من كان عنده من الخُدَّام، ورمى بنفسه عليه الأمير ابن سُكَينة، فقتلوه، ووقع الصُّراخ، وجاءتِ العساكر فأحدقت بالسُّرادق، وخرج القومُ والسكاكين بأيديهم، عليها الدَّم، فمالتِ العساكر عليهم، فقتلوهم، وأحرقوهم، وغُطِيَ الخليفة بسُنْدُسة خضراء لفُّوه فيها، ودفن على حاله بباب مَرَاغة، [واختلفوا في مقدار عمره، فقال قوم: كان له خمس وأربعون سنة، وقد ذكرنا مولده، فيكون الاختلاف بحسبه، وكانت] (٣) خلافته سبع عشرة سنة، وثمانية أشهر وأيامًا، وجلس مسعود في العزَاء، ووقَع النحيب والبكاء.

ووصل الخبر إلى بغداد ليلة السبت سادس عشرين ذي القعدة، فاحترز الرَّاشد، وقَبَضَ على جماعةٍ من أهله وإخوته، وكَثُرَ البُكاءُ والصُّراخ، وأُغلق البلد، ونقضت


(١) البيت في "ديوان أبي تمام" بشرح التبريزي: ٣/ ١٥٢ بلفظ:
هن الحمام فإن كَسَرتَ عيافةً … من حائهن فإنهن حِمامُ
وهو من قصيدة يمدح بها المأمون، مطلعها:
دِمَنٌ ألمَّ بها فقال سلام … كم حَلَّ عُقْدَةَ صَبْرِهِ الإلمامُ
(٢) ما بين حاصرتين من (ح) و (م) و (ش).
(٣) في (ع) و (ح)، وعمره خمس وأربعون سنة، وقد ذكرنا مولده، فتكون خلافته سبع عشرة سنة. . والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).