للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأثاثه في الدَّار، فأخذتَ الجميع، وأما النَّاس فقد عاهدتُ الله أني لا آخذ لأحدٍ دِرهمًا واحدًا وقد أخذتَ الجوالي (١) والتَرِكات، فمن أيَّ وَجْهٍ أُقيم لك هذا المال؟ ما بقي إلا أن أخرجَ من الدَّار وأُسَلِّمَها إليك! ووقف رجلٌ للسلْطان، وقال له: أنتَ المطالب بما يجري على المسلمين، فما جوابك غدًا عند الله، ولا تكن ممن تأخذه العِزَّة بالإثم. فأَسْقَطَ المال، ثُم شَرَعَ بعد ذلك في مصادراتِ النَّاس.

وفيها وصل خادِمٌ من عند سنجر يقال له يُمْن ببيعةِ سنجر، فدخل مسعود على المقتفي، فبايعه عن عمِّه سنجر، وخَرَجَ إلى المَوْصِل، فطَلَبَ الرَّاشد، فقال زنكي: قد أَجَرتُه، ولا أقدر على تسليمه. وتوجَّه الرَّاشد نحو أَذْرَبيجان.

وفي شعبان عَقَدَ المقتفي على فاطمة بنت محمد بن ملك شاه؛ أُخت مسعود، وحَضَرَ مسعود والأكابر، وتولى العقد [وزير الخليفة] (٢)، ونُثِرَ اللؤلؤ والجَوْهر، وتماثيل الكافور والعنبر.

وتوجَّه السُّلْطان إلى الجبل، وخلَّف نائبه بالعراق البقش الكبير (٣) السِّلاحي، فورد سَلْجوق شاه بن محمد إلى واسط والحِلَّة، وطَمِعَ في السَّلْطنة، فطرده البقش، وكان مُستضعفًا.

وسار الملك داود وعساكر أَذْرَبيجان إلى مسعود، وجَرَتْ بينهم حروب عظيمة، ثم قَصَدَ مسعود أَذْرَبيجان، وقصد داود همَذَان، ووصلَهما الرَّاشد يوم الوقعة، وكان زَنْكي بالمَوْصِل، فكتَبَ إليه المقتفي، وأعطاه بلادًا عيَّنها، وبعث خطوط القُضاة والشُّهود بخَلْعِ الرَاشد، فَقُرئ بالمَوْصِل، وأجاب زَنْكي، وخَلَعَ الرَّاشد (٤)، وخَطَبَ للمقتفي ومسعود، وقطع خُطْبة الرَّاشد وداود، فبعث الرَّاشِدُ إليه يقول: غَدرتَ يا زَنْكي! فقال: ما في بالخليفة ومسعود طاقة، والمصلحة أن تمضي إلى داود. فمضى في نفرٍ قليل، وتخلَّى عنه وزيرُه ابنُ صدقة ودَخَلَ المَوْصِل، ولم يبقَ معه صاحبُ عِمامة


(١) الجوالي جمع، مفردها جالية، وهي الجزية، انظر "اللسان" (جلا).
(٢) في (ع) و (ح): وزير السلطان، وفي (م) و (ش) وزير الخليفة ووزير السلطان، وما أثبتناه بين حاصرتين هو الموافق لما في "المنتظم": ١٠/ ٦٧.
(٣) في (ع) الصغير، والمثبت من (ح)، وهو الموافق للمنتظم.
(٤) في (ع) وخلع الراشد يوم الوقعة، بزيادة: يوم الوقعة، وهي ليست في (ح)، وهو الصواب.