للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصِّغار بالكبار، وكان كريمَ الأخلاق، حَسَنَ المعاشرة. [قال جدي: وكنت أجلس بجامع المنصور، وأنا صبيٌّ، فيأتي فيقفُ مِنْ ورائي، فيسلِّمُ عليَّ وأنا على المِنْبر، وكان يُمْلي الحديثَ في جامع القَصر باستملاء أبي الفَضْل ابن ناصر. قال: وقرأتُ عليه الحديث، وكان] (١) حُجَّةً في علومٍ كثيرة، وانفرد بعِلْم الفرائض. وكان قد خرج في قافلةٍ، فأُسر، فَقُيِّد وغُلَّ وعُذِّبَ على أن يتنَصَّر، فلم يفعل، وتعلَّم عندهم الخَطَّ الرومي، وأقام في الأَسر سنةً ونصفًا، ثم أطْلق. وقال: ما أَعلم أَني ضيعتُ من عُمُري ساعةً قط (٢).

[قال جدِّي: وسمعته يقول] (٣): كُنْ على حَذَرٍ من الكريم إذا أهنْتَه، ومن اللئيم إذا أكْرَمتَه، ومن العالم إذا أَحرَجْتَه، ومن الأَحمق إذا مازَحته، ومن الفاجر إذا عاشَرته، ومَنْ خَدَمَ المحابر خَدَمَتْه المنابر (٢).

وكانت وفاته يوم الأربعاء ثاني رجب عن ثلاثٍ وتسعين سنة، وصُلِّي عليه بجامع المنصور، وحضره قاضي القضاة الزَّينبي، وأربابُ الدولة، وحُمِل إلى [مقابر] (١) باب حرب، فدفن عند أبيه قريبًا من [قبر] (١) بِشْر الحافي، وماتَ وهو صحيح الحواسِّ لم يتغير عليه شيء، وكان يقرأ الخَطَّ الدقيق من بعيد، وأَوْصى أنْ يكتبَ على قبره ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص: ٦٧، ٦٨] [سمع خلقًا كثيرًا، وكانت له إجازات] (١)، وأجمعوا على زهده وصِنقه، وفضله وعدالته.

[قال: وأنشدني] (٤): [من الكامل]

لي مُدَّةٌ لا بُدَّ أَبْلُغُها … فإذا انْقَضَتْ وتَصَرَمَتْ مِتُّ

لو عاندتني الأُسْدُ ضاريةً … ما ضَرَّ بي ما لم يجي الوقتُ (٥)


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) انظر "المنتظم": ١٠/ ٩٣.
(٣) في (ع) و (ح)، وقال .. والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) في (ع) و (ح): وكان ينشد .. والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٥) انظر "المنتظم": ١/ ٩٤.