للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم دخلوا بغداد في ربيع الأَوَّل، ومدُّوا أيديهم إلى ما يختص بالسُّلْطان، وكبسوا خانات باب الأَزَج، فأخذوا الغَلَّة منها، فثار العوام عليهم، وقاتلوهم، فبعث الخليفةُ إلى مسعود يقول: أما الشِّحْنة الذي من قِبلك فقد هَرَبَ إلى تكْريت هو وأمير الحاج، وقد أحاط القوم بالبلد، ومدُّوا أيديهم وأفسدوا، وما يمكنني أَنْ أتَّخذ عسكرًا لأجل العَهْد الذي بيننا وبينك. فكتب إليه: قد برئت ذِمَّة أمير المؤمنين من العهد الذي بيننا، وقد أَذِنْتُ لك أن تتخذ العسكر، وتحتاط لنفسك والمسلمين. فحينئذٍ استعدَّ الخليفة، وأمر باستخدام العساكر، وأَظْهَرَ السُّرادق والخِيَم، وسدَّ العقود، وحفر الخنادق، والقومُ ينهبون ما حول البلد من الغَلَّات والأموال، وعَبَرَ طائفةٌ منهم إلى الجانب الغربي، فقسَّطوا على أهله أموالًا (١)، وساروا إلى الدُّجَيل (٢)، وأخذوا بناتِ (٣) النَّاس ونساءَهم، وجاؤوا بهم إلى الخيام، وجاءت زواريق فيها غِلالٌ فأخذوها، ونشبتِ الحرب، وقُتِلَ جماعةٌ من الفريقين، فأرسل الخليفة إليهم الغَزْنوي الواعظ يقبِّح عليهم ما فعلوا، وقال: لو جاء الكُفَّار ما فعلوا مِثْلَ هذا الذي فعلتم، أيُّ ذنب لأهل الرَّساتيق والقُرى؟ واستنقذ منهم النِّساء وبعض المواشي، وجاء أصحابها فمن عرف شيئًا أخذه.

وفي جُمادى الأولى جلس الخليفة في منظرة الحَلْبة (٤)، وعَرَضَ العساكر، وأمر العوام بلُبْس السِّلاح، والذَّبِّ عن نفوسهم وأموالهم، وكان البقش نازلًا عند دار السُّلْطان، فرحل إلى ظاهر البلد تطييبًا لقلب الخليفة، وقطعا الحرب، وبعث الخليفةُ فَسَدَّ باب السُّوق من ناحية دار السلطان، وكانوا يمتارون من سوق السُّلْطان، فاصبحوا إلى باب البلد، فرأوه مسدودًا، فجاء منهم ألف فارس إلى ناحية الجَعْفرية، فثلموا في السُّور عِدَّة مواضع، وصَعِدُوا، وبعثوا الرَّجَّالة، ففتحوا الباب الذي سَدَّه الخليفة، ونقضوا البناء، وكسروا الباب، وأخذوا حديده، وبعث البقش رسولًا إلى الخليفة يقول: لأيِّ شيء سددتم في وجوهنا الباب، وإنما كُنَّا نسترزق من سوق السلطان؟ فلم


(١) في (ع) الأقساط، والمثبت من (ح).
(٢) الدجيل: نهر مخرجه من أعلى بغداد، بين تكريت وبينها، مقابل القادسية، "معجم البلدان": ٢/ ٤٤٣.
(٣) في (ع) بنين، والمثبت من (ح)، وهو الموافق لما في "المنتظم": ١٠/ ١٣٢.
(٤) الحلبة: محلة كبيرة واسعة في شرقي بغداد عند باب الأزج. "معجم البلدان": ٢/ ٢٩٠.