للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان مع ملك الألمان قِسِّيسٌ [كبير] (١)، طويل اللحية يقتدون به، فأصبح في اليوم العاشر من نزولهم على دمشق، فركب حماره، وعلَّق في عنقه صليبًا، وجعل في يديه صليبين وعلَّق في عُنُق حماره صليبًا، وجميع الأقساء بين يديه بالأناجيل والصُّلْبان، وركبتِ الملوكُ والخَيَّالة والرَّجَّالة، ولم يتخلَّف من الفرنجية أحد إلا من يحفظ الخيام، وقال لهم القِسِّيس: قد وعدني المسيح أنني أفتح اليوم دمشق. وقصدوا البلد، وفتح المسلمون الأبواب واستسلموا للموت، وغاروا للإسلام، وحملوا حملة رجلٍ واحد، وكان يومًا لم يُرَ في الجاهلية والإسلام مِثْلُه، وقصد واحد من أحداث دمشق القِسِّيس، وهو في أَوَّلِ القوم، فضربه، فأبان رأسه، وقَتَلَ حماره، وحَمَلَ الباقون، فانهزم الفرنج، وقتلوا منهم عشرة آلاف، وأحرقوا الصُّلْبان والخيام بالنِّفْط، وتبعوهم إلى الخيام، وحال بينهم الليل، فأصبحوا وقد رحلوا، ولم يبق لهم أثر، وبعثوا يطلبون من أُنَر بانياس، فقال: إنما وعدتكم بها إذا رَحَّلْتم [الفرنج] (١)، وهذا فِعْلُ الله تعالى. فقالوا: نحن نعود إلى دمشق، ونقيم عليها فلا نرحل حتى نأخذها. وكانوا قد أحرقوا الربوة، وهدموا القِباب، وقطعوا الأشجار، ودرسوا ظاهر دمشق، فرأى أُنَر أن يفدي دمشق ببانياس (٢)، وكان سيف الدين قد طَمِعَ فيها، فأعطاهم بانياس، وبقيت في أيديهم حتى فتحها نور الدين [محمود] (١) (٣).

وكان قد وقع بدمشق أيام الحصار طاعون، فقال أبو الحَكَم الأَنْدلسي (٤): [من الكامل].

ولقد حَلَلْتُ من الشَّآم ببُقْعَةٍ … أَعْزِزْ بساكنِ رَبْعها المسكونِ

أضحى مجاورَها العدوُّ فأَهْلُها … شهداءُ بين الطَّعْنِ والطَّاعونِ (٥)

وعاد سيف الدِّين إلى بلاده.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (م): فرأى معين الدين من المصلحة أن يحفظ دمشق ببانياس. وفي (ش): من المصلحة بقاء دمشق ببانياس.
(٣) كان فتحها سنة (٥٦٠ هـ).
(٤) هو عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الأندلسي، وستأتي ترجمته في وفيات سنة (٥٤٩ هـ).
(٥) "نفح الطيب": ٢/ ٦٣٧ - ٦٣٩.