وتعرَّض له رجلٌ بكلام قبيح، فأعرض عنه، فقيل له في ذلك، فقال للقائل: لو رَمَحك حمارٌ أكنت ترمحه؟ أو نبح عليك كلبٌ أكنت تَنبح عليه؟ قال: لا. قال: فكذا السَّفيهُ ما يقابَلُ بأبلغَ من الإعراض عنه.
ومنهم بُقراط الأول، وقد اعترف بفضله الأوائل والأواخر، وهو واضع الطب. ولما بلغ بهمن بن اسفنديار بن بشتاسف خبرُه، كتب إليه يستدعيه، وبعث له قناطير من الذهب فردَّها، وقال: لا حاجة لي في الدنيا، المال والحكمة لا يَجتمعان. ولم يخرج من بلده. وكان يعالجُ الفقراء، ولا يأخذ منهم شيئًا، ويُعينهم.
وقال: استهينوا بالموت، فإن مرارته في خوفه.
وقال: الأمنُ مع الفقر خيرٌ من الغنى مع الخوف.
وقال: يُداوى كلُّ مريضٍ بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة مُتطلِّعة إلى هوائها، ونازعةٌ إلى غذائها.
وقيل له: لمَ يتكرَّبُ الإنسان بشُرب الدواء؟ فقال: البيتُ أكثر ما يكون غُبارًا إذا كُنِس.
وعشق بعض أولاد الملوك حظيَّة لأبيه، فنحل وسقم وخولط، فقال أبوه لبُقراط: انظُر ما به، فجسَّ نَبضه فلم يجد به مرضًا، فأخذ يذاكره بحديث العشق والعُشاق، فمال إليه وتهلَّل وجهُه، فسأل عنه: هل خرج من الدار؟ قالوا: لا. فقال لأبيه: اعرض عليه كل حظية في الدار. فأَخرج كلَّ امرأة في الدار فعرضَهنَّ عليه، وهو لا يلتفتُ، حتى أخرج الخادمُ تلك الحظية، فتغيَّر وجهُه، فترك بُقراط يده على نبضه وهو يضربُ، فقال للملك: هو عاشقٌ لمن لا سبيل له إلى الوصول إليها. قال: ومن هي؟ قال: حليلتي. قال: انزل عنها ولك أمثالُها. قال: فأين العدل؟ تأمرني بطلاق زوجتي؟! قال: إن أبيت فالسيف، ولا يموت ولدي. فقال: أرأيت لو كانت حظية الملك أينزل له عنها؟ ففهم الملك باطن الحال، فقال له: عقلك أتم، ومعرفتك أعم. ونزل عنها لولده، فبرئ.