للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جرَّة فيها كِسَرٌ يابسة ألوان مختلفة، ولم يكن في زمانه أعبدُ ولا أزهدُ منه، وتوفي في رمضان، وقد قارب الثمانين، وكان له يوم مشهود [(١) مثل يوم أبي الحسن القزويني الزَّاهد (٢)، وحُمل إلى مقبرة باب حرب، فدفن إلى جانب أبي الحسين بن سَمْعُون.

ذِكْرُ حكايتهِ مع السُّلْطان مسعود: سمعتُ مشايخ الحربية يحكون عن آبائهم وعن أجدادهم، قالوا: لما دخل السُّلْطان مسعود بغداد كان] يحبُّ زيارة العلماء والصَّالحين، فطلب المشايخ، فمضى بعضهُم إليه، وبلغه حال ابنِ الطَّلاية، فطلبه، فقيل له: إنه لا يخرج من مسجده. فقال: أرسلوا إليه. فجاءه الرسول، وقال: السُّلْطان يُسَلِّم عليك ويعتذر إليك من تأَخره عن زيارتك، ويسألك أَنْ تجتمع به. فقال لرسوله: أنا منذ سبعين (٣) سنة في هذا المسجد أنتظر داعي الله في النَّهار خمس مرَّات، فإذا دعاني ولم أُجِبْه، فما عذري عند الله؟ فعاد الرَّسولُ إلى مسعود، فأخبره، فبكى، وقال: أنا أَوْلى من مشى إلى هذا العبد الصَّالح. فلمَّا كان في اليوم الثَّاني ركب مسعود، وأتى إلى مسجده، فوافاه وهو في صلاة الضُّحى، وكان من عادة الشيخ (٤) أن يصلِّيها ثماني ركعات بثمانية أجزاء، فجاء وقد صلَّى أربعًا، فدخل المسجد ومعه خادمٌ صغير بين يديه، وأمر العساكر أن يقفوا على خيولهم، فصلى السُّلْطان رَكْعتين، وقام، فوقف خلف الشيخ، فصلى تمام ثماني ركعات وسَلَّم، وعلم به، وقام ليدخل في تاسعةٍ لئلا يجتمع به، فقال له الخادم: يا شيخ، السُّلْطان قائِمٌ على رأسك منذ زمان، وتريد أن لا تكلمه! فقال الشيخ: وأين مسعود؟ فتقدَّم إليه، وقال: ها أنا، فقال: يا مسعود اعدل وادعُ لي. الله أكبر؛ ودخل في الصَّلاة، فجلس مسعود يبكي، واستحضر دواةً وبياضًا، وكتب بخطِّه ورقةً بإزالة المكوس والضَّرائب والفساد، ومن نزل دارَ أحدٍ


(١) في (ع) و (ح) وقد قارب الثمانين، وكان له يوم مشهود، ودفن بمقبرة باب حرب إلى جانب أبي الحسين بن سمعون، كان السلطان مسعود يحب زيارة العلماء .. والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) هو شيخ العراق أبو الحسن علي بن عمر بن محمد، قال الخطيب البغدادي وقد حضر جنازته: لم أر جمعًا على جنازة أعظم منه، توفي سنة (٤٤٢ هـ)، وقد ترجم له السبط في وفياتها.
(٣) في (ع) و (ح) ستين، والمثبت من (م) و (ش).
(٤) في (ع) و (ح): وكان من عادته، والمثبت من (م) و (ش).