للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدين من أخْذ دمشق أَنّه كان في عَزْمه خلاصَ القُدْس من الفرنج وبلاد الساحل، وكانت دمشق في طريقه. وطمع الفرنج في مجير الدِّين، وكان قد أعطاهم بانياس، فكانوا يشنُّون الغارات إلى باب دمشق، فيقتلون ويأسرون، وكان مجير الدِّين قد جعل للفرنج كل سنة قطيعة يأخذها منهم، وذَلَّ الإسلامُ وأَهلُه في أيامه، وساءت سيرته، وكثرت إساءته وفساده،] فكانت الأمراء وأعيان دمشق [يبعثون إلى] (١) نورِ الدِّين يقولون: الغياثَ الغياثَ، وقالوا: إنْ شِئْتَ حَصَرناه في القلعة.

فرأى نورُ الدِّين أخذ [مجير الدِّين] باللطف، [(٢) وقال: إنْ أخذتُه بالقوة استغاثَ بالفرنج، ولا شكَّ أنَّه يعطيهم البلاد، فيكون وهْنًا عظيمًا على الإسلام. وكان من أشدِّ الأُمور على الفرنج أن يأخذ نور الدين دمشق، لأنه كان قد أحرق قلوبهم وأخرب بلادهم وليس له دمشق، فكيف إذا صارت له؟ فإنه يتقوى بها،] فعدَلَ إلى ملاطفته ومكاتبته ومهاداته، فأنِسَ به، وصار يكاتبه ويستشيره، فكان نور الدين يكتب إليه: إنَّ فلانًا يُكاتبني وفلانًا يكاتبني، فتارة يقبض مجير الدِّين عليهم وتارةً ينفيهم، فخلَتْ دمشق من الأُمراء، ولم يبق عنده غير عطاء بن حفاظ الخادم السُّلمي، وكان صاحِبَ بَعْلَبَكَّ، وقد رَدَّ مجير الدِّين إليه أمر دولته، وكان ظالمًا، فكتَبَ نور الديِّن إلى مجير الدين يقول: قد نفَّرَ عنك عطاءُ قلوب الرَّعية، فاقبضْ عليه. لعِلْم نورِ الدِّين أَنَّه لا يتم له أمرٌ في دمشق مع وجود عطاء، فقبضه مجيرُ الدِّين. وأَمَرَ بقَتله، فقال له عطاء: لا تقتلني، فإنَّ الحيلة قد تمَّت عليك، وذهب مُلْكُك، وسترى! فلم يلتفت إليه، وقتله، فحينئذ قوي طَمَعُ نورِ الدين في دمشق، وراسل أحداثها وأعيانها، فأجابوه، فسار إليها، ونزل عليها.

وكَتَبَ مجيرُ الدِّين إلى الفرنج يستنجد بهم، وبَذَلَ لهم بَعْلَبَكَّ وأموالًا كثيرة، وبلغ نور الدين، فأرسل إلى الأحداث، ففتحوا له الباب الشَّرقيّ، فدخلها عاشر صفر، وقيل سَلْخ ذي الحِجَّة، وحَصَرَ مجيرَ الدِّين في القلعة، وبلغ الفرنج فتوقفوا.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ع) و (ح): أخذه باللطف خوفًا من إعطائه البلاد للفرنج، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).