والقتال يعمل على بغداد كل يوم إلى سابع ربيع الآخر، فبعث محمد شاه إلى كوجك يقول: أنت وعدتني بأخذِ بغداد وما حَصَّلت، وقد أُخذت هَمَذَان، ونُهِبَت خزائني وأموالي وبيوت أصحابي، وأنا معوِّل على الرحيل. فقال كوجك: متى رحلت من غيرِ بلوغِ غَرَضٍ كنتَ سببًا لقَلع بيت السَّلجوقية وبيوتنا، ولكن اصبر حتى نعبر غدًا إلى القوم، ونرمي هذه الغرائر (١) في الخندق، ونَنصِب السلالم، ونحمل حملةَ رجل واحد، فنأخذ البلد.
وجاء ركابي إلى محمد شاه يُخبره بأَنَّ ملك شاه أخذ له أربعة آلاف بُختية، ونُهبت خزائنه وبيوت أمرائه، وبلغ أمراءه، فاستأمن منهم جماعة إلى الخليفة، وبعث ملك شاه يقول للأُمراء: إن لم تنفصلوا عن بغداد وإلا سَبيتُ نساءكم، وقتلت أولادكم، وأنا منتظر أمر أمير المؤمنين، فإنْ أمرني بقَصدكم قَصَدتُكم، وإنْ أمرني أن أسير إلى المَوصل سرت.
واستوحش محمد شاه من كوجك، وقال: أنتَ أخربتَ بيتي. وهَمَّ بالقَبْض عليه، فاستوحش زين الدين منه وقال له: إن لم آخذ لك بغداد في ثلاثة أيام، وإلّا فما أنا كوجك. فلمَّا كان يوم الأحد ثاني عشرة ربيع الآخر قال كوجك لمحمد: اعبر أنتَ اليوم، وأُصبح يوم الثلاثاء على القتال حتى أعبر أنا ونحن على تعبئةٍ. قال: نعم. وأصبح محمد شاه، فعبر أصحابه إلى الجانب الشَّرقيِّ على الجسر، فلما كان وقت العشاء قطع كوجك الجسر، وضرب على خزائن محمد شاه وخيله وخيامه، وسار طالبًا المَوصِل، وأحرقَ الغِلال التي كانت في الأسواق، وبقي محمد شاه في أصحابه لا غير في الجانب الشَّرْقي لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلًا، فسار ليلة الأربعاء طالبًا هَمَذَان، وأمر الخليفة أن لا يتبعوه، وجاءت الرَّجَّالة إلى دار السُّلطان فنهبوها، وكانت فيها أموال كثيرة حتى قلعوا الأبواب والسقوف.
وسبب رحيلهم أن الوزير ابنَ هُبيرة أصلح كوجك، وضمن له مالًا وبلادًا، وقال: ما يحصل لك من محمد شاه شيء، وربما قَبَضَ عليك، وقيل: إنَّ كتاب نور الدين وصل إلى كوجك يقول: الواجب أن تَذهَبَ إلى تحت التَّاج، وترمي نفسك وتعتذر،
(١) الغرائر جمع، مفردها الغرارة: وهي الجوالق، وهو وعاءٌ من أوعية الطعام البُرّ، والعامة تقول: شوال. انظر "معجم متن اللغة": ١/ ٦٠٧، ٤/ ٢٨١، وكانوا قد حشوا هذه الغرائر حصى ورملًا ليسدوا الخندق. انظر "المنتظم": ١٠/ ١٧٢.