للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَدَمَتْ حِصنَ شَيزَرٍ وحماةً … أهلَكَتْ أَهلَها بسوء القضاءِ

وبلادًا كثيرةً وحُصُونًا … وثغورًا موثَّقات البناءِ

وإذا ما رَنَتْ عيونٌ إليها … أَجْرتِ الدَّمْعَ عندها بالدِّماءِ (١)

وإذا ما قضى من الله أمرٌ … سابقٌ في عباده بالمَضَاءِ

حار قلبُ اللَّبيبِ فيه ومَنْ كا … نَ له فِطْنَةٌ وحُسنُ ذكاءِ

جَلَّ ربي في مُلكه وتعالى … عن مقالِ الجُهَّال والسُّفهاءِ

وفيها ملك نور الدين [محمود] (٢) حصن شَيزَر، وزال ملك بني منقذ الكِنانيين.

ذِكرُ أَيَّامهم: قد ذكرنا (٣) أَنَّ الأمير أبا الحسن عليَّ بن المقَلَّد بن نَصر بن منقذ ملكها سنةَ أربع وسبعين وأربع مئة، وتوفِّي سنةَ تسع وسبعين، وملكها ولده نَصر بنُ علي، وكان حَسَنَ السِّيرة، ولما احتُضر أوصى إلى أخيه أبي سلامة مُرشد بنِ علي فقال: والله لا وَليتُها، ولأخرجَنَّ من الدُّنيا كما دخلتُ إليها. وولاها أخاه أبا العساكر سلطان بن علي، وكان أصغر سِنًّا منه، فاتفقا مدَّة على أحسن صحْبة، فولد مرشد أولادًا ذكورًا، فكَبِروا، وسادوا، منهم: عِزّ الدَّولة أبو الحسن علي ومؤَيَّد الدولة أُسامة ابنا مُرْشد، وكانوا على ما قيل عشرين ولدًا، ولم يولد لسلطان ولدٌ ذكر إلى أن عَلَتْ سِنُّه، فجاءه أولادُه صغار، فحسد أخاه مُرْشدًا على أولاده، وخاف على أولاده الصِّغار منهم، وكانا فاضِلَين يقولان الشِّعْر، وسعى الوشاة بينهما، فتغيَّر كلُّ واحد منهما على صاحبه، والأمر بينهما مستورٌ إلى سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة، فمات مرشد، فقوي أخوه سُلْطان على أولاد أخيه، فأخرجهم من شَيزر.

وحكى مؤيد الدَّولة أسامة بن مرشد سبب إخراجهم، فقال: كنتُ من الشجاعة والإقدام على ما قد عَلِمَه النَّاس، فأُخبرت أَنَّ بدَخَلةٍ (٤) قَريبة من شَيزر أسدًا ضاريًا، فركبتُ فرسي، وأخذتُ سيفي، ولم أُخبر أحدًا من النَّاس لئلا يمنعوني عنه، فلما أتيتُ الدّخلة (٤) نزلتُ


(١) في (ع) و (ح): بالبكاء، والمثبت من "ذيل تاريخ دمشق": ٥٢٧، و "الروضتين" ١/ ٣٣٣، والأبيات فيهما.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) في حوادث سنة (٤٧٤ هـ).
(٤) في (ع) و (ح): بدجلة -بالجيم- وإخالها دخلة -بالخاء- وكأنها بمعنى الأجمة، لأن الدخل: الشجر الملتف. "معجم متن اللغة": ٢/ ٣٨٨.