صاحَ الغُرابُ فكما تحمَّلوا … مشى بها كأَنَّه مُقَيَّدُ
يَحْجُلُ في آثارهمْ بَعدَهُمْ … بادي السِّماتِ أَبْقَعٌ وأَسْوَدُ
لبِئْسَ ما اعْتاضَتْ وكان قَبْلَها … يَرْتَعُ فيها ظَبياتٌ خُرَّدُ
ليتَ المطايا للنَّوى ما خُلِقَتْ … ولا حَدا مِنَ الحُداةِ أَحَدُ
رُغاؤهم وحَدْوُهُمْ ما اجْتَمَعا … للصَّبِّ إلا ونَجَاه (١) الكَمَدُ
تقاسموا يومَ الوداعِ كَبِدِي … فليس لي منذ تولَّوْا كَبِدُ
عن (٢) الجفونِ رَحَلوا وفي الحشا … تقيَّلوا (٣) وماءَ عَيني وَرَدُوا
فأَدْمُعي مسفوحةٌ وكَبِدِي … مقروحةٌ وغُلَّتي ما تَبْرُدُ
وصَبْوتي دائمةٌ ومُقْلتي … داميةٌ ونَوْمُها مُشَرَّدُ
تَيَّمني منهمْ غزالٌ أَغْيَدُ … يا حبَّذا ذاكَ الغَزَالُ الأَغْيَدُ
حُسامُهُ مجرَّدٌ وصَرْحُهُ … مُمَرَّدٌ وخَدُّه مُوَرَّدُ
أيقنتُ لمَّا أَنْ حدا الحادي بهمْ … ولم أَمُتْ أَنَّ فؤادي جَلْمَدُ
كنتُ على القُرْبِ كئيبًا مُغْرمًا … صَبًّا فما ظنُّكَ بي إذْ بَعُدُوا
هُمُ الحياةُ أعرقوا أَمْ أشْأَموا … أم أَيمنوا أم أَتهموا أم أَنجدُوا
ليَهْنِهِمْ طِيبُ الكرى فإنَّه … حَظُّهُمُ وحَظُّ عَيني السَّهَدُ
نَعَم تولَّوا بالفؤادِ والكَرَى … فأين صَبْري بعدَهُمْ والجَلَدُ
لولا الضَّنى جَحَدْتُ وجَدي بهُمُ … لكنْ نُحولي بالغَرَامِ يَشْهَدُ
ليس على المُتْلِفِ غُرْمٌ عندهُمْ … ولا على القاتلِ عَمْدا قَوَدُ
وسائِل عن حُبِّ أَهْلِ البَيتِ هل … أقرُّ إعلانًا به أَمْ أَجْحَدُ
هيهاتَ ممزوجٌ بلحمي ودمي … حُبُّهُمُ وهْو الهُدى والرَّشَدُ
(١) نجاه: أي سارَّه وناجاه، وفي "الخريدة": شجاه.
(٢) في (ع) و (ح): على، وكذلك في "المنتظم"، والمثبت من "الخريدة".
(٣) في (ع) و (ح): تقلبوا، والمثبت من "المنتظم" و "الخريدة".