قال: وودَّعْتُه مرةً مسافرًا إلى عَبَّادان، فقال لي: إذا رأيت سَبُعًا تخاف منه، فقل له: يقول لك عدي بن مسافر اذهب ودَعْني، وإذا رأيت هولَ البحر، فقل: أيتها الأمواج المتلاطمة يقول لك عدي بن مسافر اسْكُني بإذن الله. فكنتُ إذا لقيت شيئًا من الوحوش، قلت: يقول لك الشيخ عدي بن مسافر اذهب وَدَعْني، فينكِّس رأسه، ويذهب. ولما اشتدَّ علينا البحر، وأشرفنا فيه على الغرق، قلتُ ما أمرني به، فما تمَّ كلامي حتى سكن الريح، وصار كأنه عين ديك.
وقال الشيخ عمر بن محمد: خدمتُ الشيخ عدي بن مسافر سبع سنين، شَهِدْتُ له فيها خارقات في نفسي، إحداها أنني صببتُ على يديه ماء، فقال لي: ما تريد؟ فقلت: أُريد تلاوة القرآن، فإني لا أحفظ منه سوى الفاتحة وسورة الإخلاص، وحِفْظُه عليَّ عسيرٌ جدًّا. فضَرَبَ بيده في صدري، فحفظت القرآن كلَّه في وقتي، وخرجتُ من عنده، وأنا أتلوه بكماله، لا تتوقف علي منه آية واحدة، وأنا إلى الآن من أجودِ النَّاس تلاوةً له، وأقدرِهم على دَرْسه.
وقال لي يومًا: اذهب إلى الجزيرة السَّادسة من البحر المحيط تجدْ بها مسجدًا، فادْخُلْه تَرَ فيه شيخًا، فَقُلْ له: يقول لك عدي بن مسافر احذرِ الاعتراض، ولا تختر لنفسك أمرًا لك فيه إرادة. فقلتُ: يا سيدي وأنَّى لي بالبحر المحيط؟ فدفعني بين كتفي، وأنا بظاهر زاويته بلالش، فإذا بجزيرةٍ بالبحر المحيط، فلا أدري كيف جِئْتُ، فدخلت المسجد، فرأيتُ شيخًا مهيبًا مفكِّرًا، فسلَّمْتُ عليه، وبَلَّغْتُه الرِّسالة، فبكى وقال: جزاه الله خيرًا. فقلتُ: يا سيدي وما هذا؟ فقال: يا بني إنَّ أحد السبعة الخواص في النَّزْع الآن، وإني طَمَحَتْ بي إرادتي أن أكون مكانه، وإنَّ خطرتي لم تكمل في نفسي حتى أتيتني، وقد جئتَ إليَّ وأنا مفكر في ذلك. فقلتُ: يا سيدي، وأنَّى لي بالوصول إلى جبل الهَكَّار؟ فدفعني بين كتفي، وإذا أنا بزاوية الشيخ عدي، فقال لي: هو من العشرة الخواص (١).
(١) الله أعلم بصحة هذه الأخبار، وفي صحتها في النفس أشياء.