للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من علوّ همته.

ولما بلغ ستَّ عشرة سنة سار إلى العرب الذين تَحزَّبوا عليه، ومنهم إياد بن نزار، وكان يقال لها: طَبَق، لإطباقها على البلاد، ومَلِكُها يومئذٍ الحارث بن الأغرّ الإيادي، فقتلهم سابور وسباهم ونفاهم، وجعل له مسالح بالأنبار وعَيْن التمر، فكان إذا أُتي بالرجل منهم نزع كتفَيْه، فسُفي ذا الأكتاف.

قال ابنُ الكلبي: بعث معاويةُ جماعةً من تميمٍ ليفتكوا بعلي ، فقال: [من الخفيف]

إنَّ حيًّا يَرى الصلاحَ فساداً … ويرى الغيَّ في الأمور رَشادا

لَقريبٌ من الهلاك كما أَهـ … لَك سابورُ بالسَّوادِ إيادا (١)

ولما فرغ سابور من إياد سار إلى البحرين وبها بنو تميم، فقتلهم وأجلاهم، وعليهم عمرو بنُ تميم، وكان قد أتت عليه ثلاثُ مئة سنة، وكان يُعلَّق في عمود في البيت في قُفَّة قد اتّخِذت له، فأرادوا حملَه فقال: دَعُوني، فلعلَّ الله يُنجيكم بي من صَوْلة هذا الملك المُسَلَّط على العرب. فتركوه وانهزموا، وجاءت خيلُ سابور وعمرو معلَّق في شجرة، فأخذوه وأتوا به إلى سابور، فلما رآه عَجِب وقال: مَن أنت أيها الفاني؟ فقال: عمرو بن تميم.

ثم قال لسابور: أيها الملك، قد هرب الناس منك، فلم تقتلُ رعيّتَك؟ فقال: لما ارتكبوا من بلادي وأهل مملكتي، فقال له عمرو: فعلوا ذلك ولستَ عليهم بقيّم، فلما بلغتَ أمسكوا هيبةً لك. فقال: إنما أقتُلهم لأنا نجد في علومنا أن العرب ستُدالُ علينا. فقال له عمرو: فوالله لأن تُحسنَ إليهم ليكافئوك عند الإدالة أولى بك من الإساءة. قال: صدقت. وأمر برفع السيف عنهم. وعاش عمرو بعد هذا اليوم ثمانين سنةً (٢).

وسابور هذا هو الذي بنى الإيوان وسكَنَه، وكان إلى جانبه كوخُ عجوزٍ فلم يُغيِّرْه. ولما اجتاز هارون الرَّشيد بالإيوان نزل به فأعجبه، فقال خادم من خُدَّامه لآخر: ترى الذي بنى هذا الإيوان أراد أن يَصعدَ إلى السماء؟! فسمعه هارون فضربه مئةَ سوط،


(١) مروج الذهب ٢/ ٧٧ - ١٧٨، والبدء والتاريخ ٣/ ١٦٠ - ١٦١.
(٢) مروج الذهب ٢/ ١٧٨ - ١٨١.