وهذان البيتان لإبراهيم بنِ العَبَّاس الصُّولي، وهي ثلاثة أبيات، الثاني منهما بعد الأول:
فتًى غيرُ محجوبِ الغِنى عن صديقه … ولا مُظْهِرُ الشَّكْوى إذا النَّعْلُ زَلَّتِ
ولما أنشد عونُ الدِّين البيتين، غيَّر نصف البيتِ الثَّاني منهما، فإنَّ الشَّاعر قال:
فكانت قذى عينيه حتى تجلت
فما رأى أن يخاطب الخليفة بهذه العبارة، فغيَّره تأدُّبًا.
ثم إنه خرج، فَقدِّمَ له حصانٌ أَدْهم سائل الغُرَّة محجَّل، وعليه من الحَلْي ما جَرَتْ به عادةُ الوزراء، وخرج بين أرباب المناصب وأعيان الدَّوْلة، وأمراء الحَضْرة، وجميع خدم الخليفة، وسائر حُجَّاب الدِّيوان، والطبولُ تُضْرب أمامه، والمسند وراءه محمول حتى دخل الدِّيوان، ونزل على طرف الإيوان، وجلس في الدَّسْت، وقام لقراءة عهده سديدُ الدَّوْلة محمد بنُ عبد الكريم الأنباري، وقرأ القُرَّاء، وأنشد الشُّعراء، وتولى الوزارة يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر سنة أربعٍ وأربعين، وكان لقبه جلال الدين، فلقّب عون الدين.
وكان عالمًا فاضلًا، ذا رأي صائبٍ، وسريرة صالحة.
وذكر عِزُّ الدِّين عليُّ بن الأثير في "تاريخه الصَّغير (١) " في فصل حِصار الملك محمد وزين الدِّين بغداد، وذلك في ذي القعدة سنة ثلاثٍ وخمسين: أنَّ المقتفي جَدَّ في حِفْظ بغداد، وقام وزيره عون الدِّين في هذا الأمر المقام الذي يعجز عنه غيره، وأمر المقتفي، فنودي في بغداد: مَنْ جُرح فله خمسة دنانير، فكان كل من جرح يوصل ذلك إليه، فحضر بعض العامة عند الوزير مجروحًا، فقال الوزير: هذا جرحٌ صغير لا تستحقُّ عليه شيئًا. فعاد إلى القتال، فَضُرِبَ في جوفه، فخرجت أمعاؤه، فعاد إلى الوزير، وقال: يا مولانا، يرضيك هذا؟ فضحك منه، وأمر له بصِلة، وأحضر مَنْ عالجه.