وقال الجُبَّائي: كنتُ أسمع كتاب "حلية الأولياء" على ابنِ ناصر، فَرَقَّ قلبي، وقلتُ في نفسي: أشتهي أن انقطع عن الخَلْق، وأشتغل بالعبادة. ومضيتُ وصليتُ خلف الشَّيخ عبد القادر، فلما صلَّى جلسنا بين يديه، فنظر إليَّ، وقال: إذا أردتَ الانقطاع فلا تنقطع حتى تتفقَّه، وتجالس الشُّيوخ، وتتأدَّب بهم، فحينئذٍ يصلحُ لك الانقطاع، وإلا فتمضي وتنقطع قبل أن تتفقه، وأنت فريخ ما ريَّشْتَ، فإنْ أشكل عليك شيء من أمر دينك تخرج من زاويتك وتسأل النَّاس! ينبغي لصاحب الزَّاوية أن يكون كالشمعة ليستضاء بنوره.
وقال لي الشيخ أبو الثناء النهرملكي: سمعتُ أنَّ الشيخ عبد القادر لا يقع في ثيابه ذبابة، فقلتُ له: ما لي علم بهذا! وفي بكرة الجمعة اتفقنا ومضينا إلى مجلس الشيخ، فالتفتَ إلينا في أثناء المجلس، وقال: أي شيء تعمل الذُّبابة عندي، لا دبس الدُّنيا عليَّ ولا عَسَلُ الآخرة!
وقال أبو محمّد داود البغدادي: رأيتُ في منامي سنة ثمانٍ وأربعين وخمس مئة الشيخ معروف الكَرْخي تأتيه قِصَصُ النَّاس، وهو يعرضها على الله تعالى، فقال لي: يا داود، هاتِ قصَّتك أعرضها على الله تعالى، فقلتُ: وشيخي عزلوه؟ أعني الشيخ عبد القادر. فقال: لا والله ما عزلوه ولا يعزلونه. ثم استيقظتُ، وأتيتُ في السَّحَر إلى مدرسة الشيخ، وجلستُ على باب داره لأُخبره، فناداني مِنْ داخل داره قبل أَنْ أراه أَوْ أكلِّمه: يا داود شيخك ما عزلوه ولا يعزلونه، وهاتِ قِصَّتك أعرضها على الله ﷿، فَوَعِزَّتِهِ، ما عرضتُ قِصَّةً لأصحابي ولا لغيرهم، فَرُدَّتْ على مسألتي فيها.
وقال عمر بن حسين بن خليل الطِّيبي: حضرتُ مجلس سيدنا الشيخ عبد القادر، وكنت قاعدًا محاذي وجهه، فرأيتُ شيئًا على هيئة القِنْديل البِلَّوْر نَزَلَ من السَّماء إلى أَنْ قارَبَ فم الشَّيخ، ثم عاد وصَعِدَ سريعًا، هكذا ثلاث مرات، فما تمالكتُ أَنْ قمتُ لأقول للنَّاس من فَرْط تَعجُّبي، فبادرني وقال: اقعد، فإنَّ المجالس بالأمانة. فلم أتكلَّم به إلَّا بعد موته.
وقال يحيى بن نجاح الأديب: قلتُ في نفسي: أريد أُحصي كم يقصّ الشيخ عبد القادر شعرًا من التُّوَّاب (١) في مجلس وعظه، فحضرتُ المجلس ومعي خيطٌ، فلما
(١) هكذا جمع لفظ تائب، والصواب: من التائبين، والله أعلم.