وقال عمر الكميماثي: لم تكن مجالس سيِّدنا الشيخ عبد القادر تخلو ممن يسلم من اليهود والنصارى، ولا ممن يتوب عن قَطْع الطَّريق، وقَتْل النَّفْس، وغير ذلك من الفساد، ولا ممن يرجع عن معتقد سيئ، وأتاه راهِبٌ، وأسلم على يديه في المجلس، ثم قال للنَّاس: إنِّي رجلٌ من أهل اليمن، وإنَّ الإسلام وقع في نَفْسي، وقوي عزمي على أن لا إسلام إلَّا على يد خير أهل اليمن في ظنِّي، وجلستُ مفكِّرًا، فغلب عليَّ النوم، فرأيتُ عيسى بن مريم صلوات الله عليه يقول لي: يا سِنان، اذهب إلى بغداد، وأسلم على يد الشيخ عبد القادر، فإنَّه خيرُ أهلِ الأرض في هذا الوقت.
قال: وأتاه مرة أخرى ثلاثة عشر رجلًا من النَّصارى، وأسلموا على يده في مجلس وعظه، وقالوا: نحن من نصارى المغرب، وأردنا الإسلام، وتردَّدْنا فيمن نقصده لنسلم على يديه، فهتف بنا هاتِفٌ نسمعُ كلامه ولا نرى شخصه يقول: أيُّها الركب ذا الفلاح، ائتوا بغداد، وأسلموا على يد الشيخ عبد القادر، فإنَّه يوضع في قلوبكم من الإيمان عنده ببركته ما لم يوضع فيها عند غيره من سائر الناس في هذا الوقت.
وقال عبد الله الجُبَّائي: كان الشيخ عبد القادر يومًا يتكلَّم في الأسواق في الإخلاص والرِّياء والعُجْب، فالتفتَ إليَّ الشيخ، وقال: إذا رأيتَ الأشياء من الله، وأنَّه وفقك لعمل الخير، وأخرجتَ نفسك من البَين، سَلِمْتَ من العُجْب.
وقال أبو الفرج بن الحمامي: كنتُ كثيرًا ما أسمع عن الشيخ عبد القادر أشياء أستبعد وقوعها، وأنكرها وأدفعها، وكنتُ بحسب ذلك أتشوق إلى لقائه، واتَّفق أني مضيتُ إلى باب الأزَج لحاجةٍ كانت لي هناك، فلما عُدْتُ مررت بمدرسة الشيخ والمؤذن يقيم الصَّلاة؛ فتنبهت بالإقامة على ما كان في نفسي، فقلت: أُصلي العصر، وأُسَلِّم على الشيخ، وذهب عني أنني على غير وضوء، فصلَّى بنا العصر، فلما فرغ من الصَّلاة والدُّعاء، أقبل عليَّ، وقال: أي بني، لو قدمتني بالقَصْد على حاجتك لقضيت لك، ولكن الغفلة شاملة لك، بحيث قد صليت على غير وضوء، وقد سهوت عن ذلك. قال: فتداخلني من العجب بحاله ما أَدْهشني وأَذْهَلَ عقلي من كونه عَلِمَ من حالي ما خفي عني، وحيَّرني، ومنذ حينئذ لازمتُ صحبته، وتعلَّقْتُ بمحبته وخِدْمته، وتعرَّفْتُ بذلك شمول بركته.