للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشيخ أبو الحسن الجوسقي: حَضَرَ عند سيدنا الشيخ عبد القادر - سلام الله عليه - الشيخ علي بن الهيتي، والشيخ بقاء بن بطو، فقال سيدنا الشيخ عبد القادر: لي من كل طويلة فحل لا يقاوى، ولي في كل أرضٍ خيلٌ لا تسابق، ولي في كل جيش سلطان لا يخالف، ولي في كل منصب خليفةٌ لا يُعزل.

وقال المشايخ؛ أبو الفرج الدويرة، وعبد الكريم الأثري ويحيى بن يوسف الصرصري، وعلي بن محمَّد الشهراباني: كُنَّا عند الشيخ علي بن إدريس البعقوبي سنة عشر وست مئة، فجاء الشيخ عمر اليزيدي، فقال له الشيخ علي بن إدريس: اقصص عليهم رُؤْياك. فقال: رأيتُ في النَّوم القيامة قد قامت، والأنبياء وأممهم قادمين الموقف، ويتبع بعضَ الأنبياء الرَّجلان والرَّجل الواحد، ثمَّ أقبل رسولُ الله يقدمه كالسَّيل وكاللَّيل، وفيهم المشايخ، ومع كلِّ شيحٍ أصحابُه متفاوتون عددًا وأنوارًا وبهجة، وأقبلَ رجلٌ في عِداد المشايخ، ومعه خَلْقٌ كثير يفضلون غيرهم، فسألتُ عنهم، فقيل: هذا الشيخ عبد القادر وأصحابه. فتقدَّمتُ إليه، وقلتُ له: يا سَيِّدي، ما رأيت في المشايخ أبهى منك، ولا في أتباعهم أحسن من أتباعك، فأنشد: [من الطويل]

إذا كان مِنَّا سيِّدٌ في عشيرةٍ … عَلاها وإنْ ضاق الخِناقُ حَمَاها

وما اخْتُبِرَتْ إلَّا وأصبحَ شَيخَها … وما افْتَخَرَتْ إلا وكانَ فَتاها

وما ضُرِبَتْ بالأَبْرَقَينِ خيامُنا … فأصبح مأوى الطَّارقين سواها (١)

قال: فاستيقظتُ وأنا أحفظهن، وكان الشيخ محمّد الخَيَّاط الواعظ حاضرًا، فقال له الشيخ عليُّ بنُ إدريس: يا محمَّد، أَنْشِدْنا شيئًا في هذا المعنى على لسان الشيخ عبد القادر. فقال: [من الطويل]

هنيئًا لصحبي أنَّني قائِدُ الرَّكْبِ … أسيرُ بهم قَصْدًا إلى المَنْزِلِ الرَّحْبِ

وأكنُفُهُمْ والكُلُّ في شُغْلِ أمره … وأُنزلُهُمْ في حَضْرَة القُدْس من قُرْبي

ولي معهدٌ كلُّ الطَّوائِفِ دونَهُ … ولي مَنْهَلٌ عَذْبُ المشارِبِ والشِّرْبِ

وأهل الصَّفا يسعون خَلْفي وكلُّهُمْ … له هِمَّةٌ أمضى من الصَّارِمِ العَضْبِ


(١) الأبيات لأبي فراس الحمداني، وهي في "ديوانه": ٢/ ٤٢٥ طبعة المعهد الفرنسي بدمشق، مع اختلاف في بعض الألفاظ.