للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسئل عن التَّجريد، فقال: هو تجريد السِّرِّ عن المدثر بثياب السكون عن طلب المحبوب، وتعريه في التنزيل بلباس الطمأنينة على مفارقة المحدود، والرُّجوع من الخلق إلى الحقِّ مُبينًا.

وسئل عن الهِمَّة، فقال: هي أن يتعزَّى بنفسه عن حُبِّ الدُّنيا، وبروحه عن التعلُّقِ بالعقبى، وبقلبه عن إرادةٍ مع إرادة المولى، وبتجرُّدِ سِرِّه عن الإشارة إلى الكون ولو بلمحةٍ أو طرفة.

وسئل عن الشَّوق، فقال: أحسنُ الأشواقِ ما كان عن مشاهدة، فهو لا يَفْتُرُ على اللِّقاء، ولا يَسْكُنُ على الرؤية، ولا يذهب على الدُّنو، ولا يزول على الأُنْس، بل كلما ازداد لقاءً ازداد تشوُّقًا، ولا يصحُّ الشَّوق حتى يتجرَّد من عِلَله، وهي موافقة روح، أو متابعة هِمَّة، أو حَظُّ نَفْس، فيكونُ شوقًا مجرَّدًا عن الأسباب، فلا يدري السببَ الذي أوجب له ذلك الشوق، لأنه هو ذا يشاهده ويتشوق إلى المشاهدة مع المشاهدة.

وسئل عن التوكل، فقال: هو اشتغالُ السِّرِّ بالله عن غير الله، فينسى ما يتوكَّلُ عليه لأجله، ويستغني عما سواه، فيرتفع عن خشية الفَنَاء في التوكل، والتوكُّلُ استشراف السِّرِّ بملاحة عين المعرفة إلى خفي غيب المقدورات، واعتقاد حقيقة اليقين بمعاني مذاهب المعرفة أنها محتومة، لا يقدح فيها تناقض.

وسئل عن التَّوبة، فقال: التوبة نَظَرُ الحقِّ تعالى إلى عنايته السَّابقة القديمة لعبده، وإشارته بتلك العناية إلى قلب عبده، وتجريده إياه بالشَّفقة، مجتذبًا إليه وقابضًا، فإذا كان ذلك كذلك انجذب القلب إليه عن كلِّ هِمَّةٍ فاسدة، وتابعته الروح، ووافقه العقل، وصحَّتِ التوبة، وصار الأمر كلُّه لله تعالى.

وسئل عن البكاء، فقال: ابك له، وابك منه، وابك عليه.

وسئل عن الدُّنيا، فقال: أَخْرِجْها من قَلْبك إلى يدك، فإنها لا تغرُّك.

وسئل عن التَّصوف، فقال: الصُّوفي من جَعَل ضالَّته مراد الحقِّ منه، ورَفَضَ الدُّنيا فَخَدَمَتْه ووفَّتْه أقسامه، وحَصَلَ له في الدُّنيا قبل الآخرة مرامه، فعليه من ربه سلامه.