للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: كان عقيل شيخ شيوخ الشَّام في وقته، وتخرَّج بصحبته الشيخ عَدِي بن مسافر، والشيخ موسى الزولي وغيرهما، وهو أوَّل من دخل بالخرقة العمرية إلى الشَّام، وهو أحد الأربعة الذين قال فيهم الشيخ علي الفرنثي: رأيتُ أربعة من المشايخ يتصرَّفون في قبورهم كما يتصرف الأحياء: الشيخ عبد القادر، والشيخ معروف الكرخي، والشيخ عقيلًا المنبجي، والشيخ حياة بن قيس الحَرَّاني.

وكان للشيخ عقيل كلامٌ عالٍ في المعارف.

وقال الشيخ أبو المجد بن أحمد: أخبرنا أبي عن أبيه قال: حضرت الشيخ عقيلًا بظاهر منبج تحت الجبل، وعنده جمعٌ من الصُّلحاء، فقال له أحدهم: ما علامة الصَّادق؟ قال: لو قال لهذا الجبل تحرَّك فيتحرك الجبل، ثمَّ قال له: ما علامة المتصرِّف؟ قال: لو أراد وحوش البَرِّ والبحر أن تأتيه لفعلت. فما تمَّ كلامه حتى نَزَلَ علينا من الجبل وحوش سدتِ الفضاء، وأخبرنا الصَّيادون أنَّ شَطَّ الفرات امتلأ في ذلك الوقت أسماكًا. قال: يا سيدي، وما علامةُ المبارك على أهل زمانه؟ قال: لو وكز برجله هذه الصَّخرة لتفجَّرت عيونًا. قال: فتفجَّرت صخرةٌ كانت بين يديه عيونًا، ثمَّ عادت صخرة كحالها أوَّل مرة.

سكن منبج، واستوطنها نيفًا وأربعين سنة، وماتَ بها، وقد عَلَت سِنُّه، وقبره بها ظاهر يزار.

وقال الشيخ عمر الصِّنْهاجي: جاء بعضُ أصحابنا إلى الشيخ أبي يعزى يستأذنه في المسير إلى بغداد، فقال له: إذا أتيتَ بغداد فلا يفوتنك رؤية رجل بها شريف عجمي اسمه عبد القادر، فإذا رأيته سَلِّم عليه عني وسَلْه لي الدُّعاء، وقيل له: لا تنسَ أبا يعزى من قلبك، فإنَّه والله لم يخلِّف في العجم بأسره مثله، وإنك لن ترى في العراق مثله، وإن المشرق ليفضل عن المغرب به، وإنَّ علمه ونسبه قد ميَّزاه على الأولياء تمييزًا واضحًا كثيرًا.

قلتُ: كان الشيخ أبو يعزى من أعيان المشايخ بالمغرب، وتخرَّج به من أكابر مشايخها وأعلام زُهَّادها جماعةٌ، وأقام في بدايته في خمس عشر سنة لا يأكل إلا حب الخُبازى، وكانت الأُسْد تأوي إليه، والطَّير تعكف عليه، وكانت الأُسد إذا ضربت