قلتُ: كان الشيخ حماد الدَّبَّاس أحدَ العلماء الرَّاسخين في العِلْم وعلوم الحقائق، وانتهت إليه تربية المريدين ببغداد، وانعقد عليه الإجماع في الكَشْف عن مخفيات المراد، وانتمى إليه معظمُ مشايخ بغداد وصوفيتهم في وقته، وهو أحدُ مَنْ أخذ عنه سيدنا الشيخ عبد القادر - رحمة الله عليه - وصحبه، وأثنى عليه، وروى كراماته، وكان أبو الوفاء إذا قَدِمَ بغداد، ينزل عنده ويعظِّم شأنه، وكان المشايخ ببغداد يعظمون أمره ويتأدَّبون في حضرته، وينصتون لسماع كلامه.
وقال الشيخ أبو النَّجيب: الشيخ حماد الدباس من أَجَلِّ من لقيتُ من مشايخ بغداد، وهو أوَّلُ شيخ فتح الله عليَّ ببركته، وكانت دَبَّاسته لا يدخلها زنبور ولا ذبابة، وله كلامٌ عالٍ في طريقة القوم، رحمة الله عليه.
وقال سيدنا الشيخ عبد القادر: قدم بغداد رجلٌ يقال له يوسف الهَمَذاني، وكان يقال: إنه القُطْب، ونزل في رباط، فلما سمعتُ به مشيت إلى الرِّباط، فلم أره، فقيل لي: هو في السِّرْداب، فنزلتُ إليه، فلما رآني قام، وأجلسني، ففرسني، وذكر لي جميعَ أحوالي، وحَلَّ لي جميع ما كان مشكلًا عليّ، ثمَّ قال لي: يا عبد القادر، تكلَّم على النَّاس. فقلتُ: يا سيدي، أنا رجلٌ أعجمي أيش أتكلَّم على فصحاء بغداد؟ فقال لي: أنتَ حفظت القرآن والفِقْه وأُصول الفقه والخلاف والنَّحو واللغة وتفسير القرآن، ألا يصلح لك أن تتكلَّم على النَّاس؟! اصعد على الكرسي وتكلم، فإني أرى فيك عِذْقًا وسيصير نخلةً.
قلتُ: تَقَدَّم ذكر يوسف الهَمَذاني في سنة خمس وثلاثين وخمس مئة.
وقال الشيخ أبو سلمان داود المَنْبِجي: كنتُ يومًا عند الشيخ عقيل المنبجي، فقيل له: قد اشتَهَر ببغداد أمر شاب عجمي شريف اسمه عبد القادر. فقال الشيخ عقيل: وإن أمره في السَّماء أشهر منه في الأرض، ذاك الفتى الرَّفيع المدعو في الملكوت بالباز الأشهب، وسينفرد في وقته، وسَيُرَدُّ إليه الأمر، ويصدر عنه.
والشيخ عقيل أول من لَقَّب سيدنا الشيخ محيي الدّين ﵁ بالباز الأشهب فيما نعلم.