[وكانت مشايخ البطائح يقولون: عجبًا لمن يذكر أبا الوفاء](١)، ولم يمرّ يده على وجهه، ويسمِّي الله تعالى، ويصلي على النبي ﷺ، كيف لا يسقط وجهه من هيبته!
ورُوي أن الشيخ عزاز رأى النبي ﷺ في المنام، فقال: يا رسول الله، ما تقول في أبي الوفاء؟ قال: قُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ما أقول فيمن أباهي به الأمم يوم القيامة!
وكان للشيخ أبي الوفاء كلامٌ عالٍ على لسان أهل الحقائق، رحمة الله عليه، منه: مَنْ أخلص لله تعالى في معاملته يخلُصُ من الذُّنوب الكاذبة، ومن ضَيَّع حكم وقته فهو جاهل، ومن قَصَّر فيه فهو غافل، ومن أهمله فهو عاجز، والتَّسْليم إرسالُ النَّفس في ميادين الأحكام، وترك الشفقة عليها من الطَّوارق.
وقال الشيخ علي بن الهِيتي: طرقت منازلةٌ من منازل الغيب عشرةً من الأولياء زمن شيخنا أبي الوفا ﵁، واشتركت فيها أسرارهم، وأشكل شيء من أمرها عليهم، فاجتمعوا، وأتوا إلى الشيخ أبي الوفاء ليسألوه عنها، فوجدوه نائمًا، وسمعوا كلَّ عضو منه ينطق بالتسبيح والتَّهليل، فجلسوا ينتظرون يقظته، فنطقت لهم أعضاؤه وخاطبتهم بمنازلهم، وكشفت لهم منها ما أَشكل عليهم، وانصرفوا قبل أن يستيقظ. وكان نرجسي الأصل؛ قبيلة من الأكراد.
وقال سيدنا محيي الدِّين رحمة الله عليه: ليس على باب الحق ﷿ كُرْدي مثل الشيخ أبي الوفاء.
وقال الشيخ حماد بن مسلم الدَّبَّاس، وقد ذكر عنده سيدنا الشيخ محيي الدين عبد القادر ﵁، وهو يومئذٍ شاب: رأيتُ على رأسه علمين قد نصبا من البهموت الأسفل إلى الملكوت الأعلى، وسمعت الشاويش يصيح له في الأفق الأعلى بألقاب الصِّدِّيقين.
وقال محمود بن النعال: سمعتُ أبي يقول: كنتُ يومًا عند الشيخ حماد الدَّبَّاس، فجاء الشيخ عبد القادر وهو شابٌّ يومئذٍ، فقام إليه، وتلقَّاه، وقال: مرحبًا بالجبل الراسخ، والطَّوْد المنيف الذي لا يتحرَّك، وأجلسه إلى جانبه، وقال له: ما الفرق بين الحديث والكلام؟ فقال: الحديث ما استدعيت من الجواب، والكلام ما صدقك من الخطاب، وانزعاج القلب لدعوة الانتباه أرجح من أعمال الثَّقلين، فقال له الشيخ حماد: أنت سيد العارفين في عَصْرك.
(١) ما بين حاصرتين ساقط من (خ)، والمثبت من "طبقات الشعراني": ١/ ١١٦.