للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لك يا عبد القادر، قد وهبوك العراق يا عبد القادر، كلُّ ديك يصيح ويسكت إلا ديكك، فإنَّه يصيح إلى يوم القيامة. وأعطاه سجادته وقميصه، ومسبحته وقصعته وعُكَّازه، فقيل له: خُذْ عليه العهد، فقال: على جبينه داعي المخرِّمي (١). فلما انقضى المجلس، ونزل تاجُ العارفين أبو الوفاء من الكُرْسي جلس على آخر مرقاة، وأمسك بيد الشيخ عبد القادر، وقال له في غلبات النَّاس: يا عبد القادر، لك الوقت، فإذا جاء فاذكر هذه الشيبة. وقبضَ على كريمته.

قال الشيخ عمر البزاز: وكانت مسبحة الشيخ أبي الوفاء التي أعطاها لسيدنا الشيخ عبد القادر إذا وضعها سيدنا الشيخ على الأرض تدور وحدها حبةً حبَّة، فلما مات أخذها بعده الشيخ علي بن الهيتي، وكانت القصعة التي أعطاها له لا يَمَسُّها أحد إلا وأرجفت يده إلى كتفه.

وقال مطر: كنتُ يومًا عند شيخنا أبي الوفاء بزاويته معلمينا (٢)، فقال لي: يا مطر، أغلق الباب، فإذا جاء شابٌّ عجمي يطلب الدُّخول عليَّ فامنعه، فقمت، وإذا الشيخ عبد القادر وهو شابٌّ يومئذٍ، فطلب الدخول عليه، فاستأذنتُ الشيخ، فلم يأذن له في الدُّخول، ورأيتُه يمشي في الزَّاوية كالمنزعج، ثمَّ أَذِنَ له، فلما رآه مشى إليه خُطُواتٍ، واعتنقا طويلًا، وقال له: يا عبد القادر، وعِزَّة من له العِزَّة، ما منعتك من الدُّخول عليّ أول مرَّة جحدًا لحقِّك بل خشية، لمَّا علمت أنك تأخذ وتعطيني أَمِنْتُ.

قلت: كان الشيخ تاج العارفين أبو الوفاء سيدَ مشايخ العراق في وقته، وله الكراماتُ الخارقة، وانتهت إليه رياسة هذا الشَّأْن في زمانه، وتخرَّج به جماعةٌ من صدور مشايخ العراق مثل الشيخ علي بن الهيتي، والشيخ بقاء بن بطو، والشيخ عبد الرَّحمن الطفسونجي، والشيخ مطر، والشيخ حامد الكُرْدي، والشيخ أحمد البقلي وغيرهم، وكان له أربعون خادمًا من أصحاب الأحوال، ولما أخذ عليه شيخه الشَّنْبكي العهد قال: قد وقع اليوم في شبكتي طائِرٌ لم يقع مثلُه في شبكة الشيخ أبي الوفاء.


(١) لعله يعني شيخه المخرِّمي، والله أعلم، انظر ص ٧٨ من هذا الجزء.
(٢) كذا، ولم أتبينها.