فكتب الخليفةُ إليهم بخطِّه يسألهم الحضور، وبَعَثَ إليهم ولده وحاجبه، فأجابوه وذهبوا، وأمرني سيدنا الشيخ محيي الدين بالمسير معه، فلمَّا كُنَّا بالشَّطِّ إذا الشيخ ابن الهيتي، فتلقاه المشايخ، وسار معهم، فأُتي بنا إلى دارٍ حَسَنةٍ، فإذا الخليفةُ فيها قائم، مشدود الوسط، ومعه خادمان له، وليس في الدار سواهم، فتلقَّاهم الخليفة، وقال لهم: يا سادة، إنَّ الملوك إذا اجتازوا برعاياهم بسطوا لهم الحرير ليطؤوه، ووضع لهم ذيله، وسألهم أن يمشوا عليه، ففعلوا، وانتهى بنا إلى سماطٍ مهيأ، فجلسوا، وأكلوا وأكلنا معهم، ثمَّ خرجوا، وأتوا إلى زيارة قبر الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، وكانت ليلةً شديدة الظُّلْمة، فجعل الشيخ عبد القادر كلما مرَّ بحجرٍ أو خشبة أو جدار أو قبرٍ أشار بيده إليه، فيضيء كضوء القمر، ويمشون في نوره إلى أن ينتهي ضوءه، فيشير الشيخ إلى آخر، فيضيء، فما زالوا يمشون في النُّور، وليس فيهم من يتقدَّم على الشيخ عبد القادر إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل ﵁، فدخل المشايخ الأربعة يزورون، ووقفنا على باب المزار حتى خرجوا، فلما أرادوا أن يتفرَّقوا، قال الشيخ عدي للشيخ عبد القادر: أوصني. قال: أوصيك بالكتاب والسُّنَّة. ثمَّ تفرَّقوا.
وقال الشيخ عمر البزاز: كان سيدنا الشيخ محيي الدِّين - رحمة الله عليه - يثني كثيرًا على الشيخ عدي بن مسافر، فاشتقت إلى رؤيته، واستأذنتُ الشيخ في زيارته، فأَذِنَ لي، فسافرت حتى أتيتُ جبل الهَكَّار، فوجدته قائمًا على باب زاويته بلاكش، فقال: أهلًا يا عمر، تركت البحر، وجئت إلى السَّاقية! يا عمر، الشيخ عبد القادر مالك أزِمَّة الأولياء كلِّهم، وقائد.
عدي بن مسافر ﵁ مشهور، ومحلُّه معروف، وقد تقدَّم ذكره في السنة السابعة والخمسين وخمس مئة، فينظر هناك.
وقال الشيخ العارف القُدْوة علي بن وهب السِّنْجاري: عبد القادر أحدُ أعيان الدُّنيا، الشيخ عبد القادر أحدُ أفراد الأولياء، الشيخ عبد القادر من تُحَفِ الوجود، الشيخ عبد القادر من هدايا الله تعالى إلى الكون، طوبى لمن رآه، طوبى لمن جالسه، طوبى لمن باتَ في خاطر الشيخ عبد القادر.