قلت: كان الشيخ عليُّ بن وهب كبيرَ القَدْر، تتلمذ له جماعةٌ من الأكابر مثل الشيخ سويد السِّنجاري، والشيخ أبي بكر الجاري، وجماعة لا يحصون كثرة، ويقال: إنه مات عن أربعين رجلًا من مريديه كلهم أصحاب أحوال، وحدّث عنهم أنَّه لما مات اجتمعوا في رَوْضة تجاه زاويته، فجعل كل منهم يأخذ من تلك الروضة قبضة من نباتها، ويتنفس عليها، فتزهر من جميع الأزهار مختلفة ألوانها حتى أَقَرَّ بعضُهم لبعض بالتمكُّن والتَّصريف، والشيخ علي بن وهب يسمى برادّ الفائت؛ لأنَّه من فَقَدَ حالًا كان له وأتى إليه رَدَّه عليه بزيادة.
ومناقبه كثيرة، وهو ربعي شيباني، سكن البدوية؛ قرية من أعمال سِنْجار، وبها مات وقد نيَّف على الثمانين، وقبره ظاهر يزار، وكان عالمًا فاضلًا فصيحًا متواضعًا، لا يحلف بالله تعالى، ولا يرفع رأسه إلى السماء حياءً من الله تعالى، رحمة الله عليه ورضوانه.
وقال الشيخ يحيى التكريتي: لما قدم الشيخ موسى بن ماهين الزولي بغداد حاجًّا كنتُ أنا ووالدي معه، فلما اجتمع بالشيخ عبد القادر رأينا من احترام الشيخ موسى له وأدبه معه ما لم نَرَه فَعَلَه مع غيره من النَّاس، فلما خلونا به قال له والدي: ما رأيتُك احترمتَ أحدًا مثلما احترمت الشيخ عبد القادر، فقال: الشيخ عبد القادر خيرُ النَّاس في زماننا هذا، وسُلْطان العارفين في وقتنا، وكيف لا أتأدَّب مع من تتأدب معه ملائكة السَّماء.
قلتُ: كان الشيخ موسى من أجلِّ المشايخ وأعظمهم حالًا، وهو أحد من أبرزه الله إلى العباد، وأنطقه بالمُغَيَّبات، وخَرَقَ له العادات، وأوقع له الهيبة في القلوب، وانعقد عليه إجماع المشايخ وغيرهم، وقُصِدَ بحلِّ مشكلات الموارد، وكَشْفِ مخفياتها، وتربية السالكين، وتخرَّج بصحبته كثير من مشايخ بلاد المشرق، وتتلمذ له جماعةٌ من أهل الأحوال، وكان سيِّدنا محيي الدِّين يُثْني عليه كثيرًا، ويعظِّمُ شأنه.
ولما اجتمع الشيخ إبراهيم الأعزب والشيخ عسكر النعيبي بالبطائح، قال الشيخ عسكر للشيخ إبراهيم (١).