للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان للشيخ موسى كلامٌ بليغ على لسانِ أهل المعرفة، وكان إذا مَسَّ الحديد بيده لان حتى يصيرَ كاللُّبان.

ووقع بمارِدِين حريقٌ، فضجَّ النَّاس به، فأعطاهم عُكَّازه، وأمرهم أن يلقوه في النَّار، فألقوه، فانطفأت لوقتها، وأخرجوا العُكَّاز لم يسخن ولا اسْوَدَّ.

ووإن كثير الإخبار بالمغيَّبات، وأتته امرأةٌ بصغير عمره أربعة أشهر، فدعاه إليه، فأتاه يعدو، فأقرأه سورة الإخلاص، فقرأها الصَّبيُّ، وما زال يمشي ويتكلَّم من ذلك الوقت، وكبر والتحى، فوالله ما زادَتْ فصاحةُ نُطْقه على فصاحته حين تكلَّم بين يدي الشَّيخ أَوَّل مرَّة.

ومات الشيخ بمارِدِين وقد عَلَتْ سِنُّه، وقبره ظاهر يزار، ولما وضع في لحده نهض قائمًا يصلي، واتَّسع له اللَّحد، وأُغمي على من كان نزل قبره، وكان جميلًا بهيًّا فاضلًا، رحمة الله عليه.

وقال الشيخ شهاب الدِّين: دخلتُ مع عمِّي الشيخ أبي النَّجيب عبد القاهر السُّهْرَوَرْدِي في سنة ستين وخمس مئة إلى الشيخ عبد القادر، فتأدَّب عمي معه أدبًا عظيمًا، وجلس بين يديه أُذُنًا بلا لسان، فلما رجعنا إلى النِّظامية، قلتُ له في ذلك، فقال: كيف لا أتأدَّب معه وهو له الوجود التَّام، وقد صرف في وجود الملك، وبُوهي به في وجود الملكوت، وانفرد في عالم الكون في هذا الوقت؟ وكيف لا أتأدَّب مع من صرَّفه مالكي في قلبي وحالي، وفي قلوب الأولياء وأحوالهم، إن شاء أمسكها، وإن شاء أرسلها؟

قلت: كان الشيخ أبو النجيب عظيمَ القَدْرِ، جَمَعَ بين العِلْم والعمل، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

قلتُ: وحكى لي ابنُ الشيخ عز الدين عبد العزيز السلمي الشافعي نزيل مِصْر، كان يقول: كراماتُ الشيخ عبد القادر رحمة الله عليه (١).

وقال الشيخ محمَّد بن أبي العَبَّاس الخضر بن عبد الله الحسني المَوْصلي: سمعتُ أبي يقول: كنتُ يومًا جالسًا بين يدي سيدنا الشيخ محيي الدِّين عبد القادر ، فخطر في نفسي زيارة الشيخ أحمد الرِّفاعي، فقال لي: يا سيدنا، أتحبُّ زيارة الشيخ أحمد؟


(١) لم يذكر عنه شيئًا من كراماته، ولعله بيَّض لها، ولم يسدَّها.