قلتُ: نعم. فأطرقَ يسيرًا، ثمَّ قال: يا خضر، ما ترى الشيخ أحمد؟ فإذا إلى جانبه شيخٌ مهيب، فقمتُ إليه، وسلَّمت عليه، فقال: يا خضر، مَنْ يرى مثل الشيخ عبد القادر سيد الأولياء يتمنَّى رؤية مثلي، وهل أنا إلا من رعيَّته! ثمَّ غاب عني، فبعد وفاة سيدنا الشيخ رحمة الله عليه انحدرت إلى أُم عبيدة لأزوره، فقَدِمْتُ عليه، إذا هو الشخص الذي رأيته إلى جانب الشيخ عبد القادر - رحمة الله عليه - في بغداد، لم تجدد رؤيته عندي زيادة، فقال لي: يا خضر، ألم تَكْفِكَ الأُولى؟
وقال الشيخ عبد الله البطائحي رحمة الله عليه: انحدرتُ في حياة سيدي الشيخ محيي الدين عبد القادر ﵁ إلى أُم عُبيدة، وأقمتُ برواق الشيخ أحمد أيامًا، فقال لي الشيخ أحمد يومًا: اذكر لي شيئًا من مناقب الشيخ عبد القادر وصفاته، فذكرتُ منها شيئًا، فجاء رجلٌ في أثناء حديثي، فقال لي: مَهْ، لا تذكر عندنا مناقب غير هذا. وأشار إلى الشيخ أحمد، فنظر إليه الشيخ أحمد مُغْضَبًا، فوقع الرَّجل بين يديه ميتًا، ثمَّ قال: ومَنْ يبلغ مبلغ الشيخ عبد القادر، ذاك بحر الشَّريعة عن يمينه، وبحر الحقيقة عن يساره، من أيِّهما شاء اغترف الشيخ عبد القادر، لا ثاني له في وقتنا هذا.
قال: وسمعتُه يوصي أولاده فيه وأكابر أصحابه، وقد جاء رجل يودِّعه مسافرًا إلى بغداد قال: إذا دَخَلْتُم بغداد، فلا تقدِّموا على زيارة الشيخ عبد القادر شيئًا إن كان حيًّا، ولا على زيارة قبره إن كان ميتًا، فقد أُخذ له العهد: أَيما رجلٍ من أصحاب الأحوال دخل بغداد، فلم يَزُرْه، سُلِبَ حاله، ولو قبيل الموت. والشيخ عبد القادر خَسِرَه من لم يَرَه، ﵁.
قلتُ: كان الشيخ أحمد الرِّفاعي رحمة الله عليه عظيم القَدْر كبير الشأن، ومحلُّه عظيم، وحاله أشهر من أن ينبَّه عليه، وهو أحدُ من اشتهر في الدُّنيا، وتتلمذ له من الخَلْق عالمٌ لا يُحصون كثرةً في كلِّ بلد وقطر، ولم أر في مُدُنِ المسلمين مكانًا يخلو من زاوية ومكان برسمهم، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب مفصَّلًا.
دخل عليه رجلٌ، فوضع له الشيخ طعامًا، فقال: إذا جاء وقتي أكلتُ، وقال له: ومتى وقتك؟ قال: المغرب، قال: عن كم؟ قال: عن ستة أشهر، فلما كان وقتُ المغرب قُدِّم له الطَّعام، فسأله الرجل أن يأكل معه، فقال: إذا جاء وقتي أكلتُ، قال: