للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عشرين يومًا صائمًا لا يُفْطر إلا على الماء، فضَعُفَ، وكاد يتلف، وكان مهيبًا، فلم يتجاسر أحدٌ أن يخاطبه في ذلك، وكان له إمامٌ يقال له يحيى -ضرير- يصلِّي به في هذا المسجد، فكان يقرأ عليه القرآن، وله عنده حرمة، فاجتمع إليه خواصُّ نور الدين، وقالوا: قد خفنا على السلطان، ونحن من هيبته ما نقابله، وأنت تُدِلُّ عليه، و [نحن] (١) نسألك أن تسأله أن يتناول ما يحفظ به قوَّته، فقال: نعم، إذا صلَّيتُ به غداة غدٍ الفجر سألته. [قال] (١): فلما كان في تلك الليلة رأى الشيخ يحيى في المنام رسولَ الله يقول له: يا يحيى، بَشِّرْ نور الدين محمود برحيل الفرنج عن دمياط، قال: فقلتُ: يا رسولَ الله، ربما لا يصدِّقني وأريد [له] (١) أمارة. قال: قل له بعلامة يوم حارم. قال: وانتبه يحيى وهو ذاهبُ العقل، فلما صلَّى نورُ الدِّين خلفه الفجر، وسَلَّم وشرع يدعو ففاته أن يتحدَّث معه، فقال له نور الدِّين: يحيى. قال: لبَّيك يا مولانا. قال: تحدِّثني أو أحدِّثك. [قال] (١): فارتعد يحيى وخَرِسَ. فقال [له] (١): أنا أحدِّثُك، رأيتَ النَّبيَّ في هذه الليلة، وقال لك كذا وكذا؟ فقال: نعم، فبالله يا مولانا ما معنى قوله : بعلامة يوم حارم. فقال [له] (١) نور الدين: لما التقى الصَّفَّان خِفْتُ على الإسلام، لأني رأيتُ من كثرة الفرنج ما هالني، فانفردتُ عن العسكر، ونزلتُ فمرَّغت وَجْهي في التراب، وقلتُ: يا سيِّدي مَنْ محمود في البين، الدِّينُ دينك، والجُنْد جُنْدُك، وهو اليوم فافعل ما يليقُ بكرمك، [قال] (١): فنصرنا الله عليهم.

[قلت] (٢): وحدَّثني شهاب الدِّين بن البانياسي [عم جمال الدين البانياسي] (١) -وكان على ديوان جامع دمشق-: أول ما قَدِمْتُ الشَّامَ اجتمعتُ به في درب الشعارين في قاعة الوزير صفي الدِّين بن شُكْر [وزير العادل] (١)، وكان هناك جماعة، فاشتغل الوزير بالحديث معهم، وكان شهاب إلى جانبي، فتذاكرنا نور الدين، فقال: كان أبي يخدمه في أسفاره ومقامه على ديوانه، [قال] (١) فحكى لي وأنا صغير، قال: خَرَجَ نورُ الدِّين من دمشق يتصيَّد في أرض قطنا ويعفور وأنا معه، فبينا هو ذاتَ يوم قد ركب من الخيم ليذهب إلى الصَّيد، وإذا برجلٍ أعجمي قد أقبل من ناحية دمشق ومعه خيلٌ


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ح): قال المصنف : وحدثني شهاب الدين، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).