قد استوى منك تقوى الـ … إله سرٌّ وجَهْرُ
يا أعظمَ النَّاس قَدْرًا … وهل لغيرك قَدْرُ
ما اعْتَدْتَ إلا وفاءً … وعادةُ القوم غَدْرُ
هذا الطُّهورُ ظهورٌ … على الزَّمان وأَمْرُ
رُزِقْتَ عُمرًا طويلًا … ما طال للدَّهْر عُمْرُ
وخرج نورُ الدِّين يوم الأحد إلى المُصَلَّى بالأمراء والأجناد، والقَدَرُ يقول: هذا آخر الأعياد. فَمَرِضَ، وبدأ به الخوانيق، وما كان يرى الطِّبّ.
قال الرَّحْبي الطَّبيب (١): اسْتُدْعينا، فدخلنا عليه ونحن جماعةٌ من الأطباء وهو في قلعة دمشق في بيتٍ صغير كان يتعبَّد [فيه]، وقد استحكم منه المرض، واستولى الخوانيق على حلقه فما كان يسمع منه صوت، فشرعنا في مداواته، فلم ينجع فيه الدَّواء مع حضور أجله، وكانوا قد أشاروا عليه بالفَصْد في أوَّل المرض، فامتنع، وكان مهيبًا فما رُوجع.
وكانت وفاته يوم الأربعاء حادي عشر شَوَّال، ودفن بالقَلْعة، ثم نُقِل إلى مدرسته التي أنشأَها مجاورة للخوَّاصين، ويقال: إنَّها كانت دار عمر بن عبد العزيز ﵁، وقيل: دار سليمان بن عبد الملك، وعاش ثمانيًا وخمسين سنة، وكانت أيامه ثمانية وعشرين سنة وستة أشهر.
وقال عرقلة في مدرسة نور الدِّين ﵀: [من الوافر]
ومدرسة سيدرسُ كلُّ شيء … وتبقى في حِمَى عِلْمٍ ونُسْكِ
تضوَّعَ ذِكْرُها شَرْقًا وغَرْبًا … بنور الدِّين محمودِ بنِ زَنْكي
يقول وقولُه حقٌّ وصِدْقٌ … بغير كنايةٍ وبغير شَكِّ
دمشقٌ في المدائن بيت مُلْكي … وهذي في المدارس بيتُ مِلْكي
(١) هو رضي الدين يوسف بن حيدرة بن حسن الرحبي، من أشهر أطباء عصره، توفي سنة (٦٣١ هـ)، له ترجمة في "عيون الأنباء": ٦٧٢ - ٦٧٥، ٦٨٢.