المرحوم، فلا تسمع ممن حولك فتفسد أحوالك، [وتختل أمورك](١)، وما قَصْدِي إلا جَمْعُ كلمةِ الإسلام على الفرنج.
فعرض كتابه على أرباب دولته، وفيهم خالد بن [محمّد](١) القَيسَراني، وغِلْمان أبيه، وابن العَجَمي، فأشاروا عليه بأن يكاتبه بالغِلْظة، فكتَبَ إليه يُنكر عليه، وينسُبُه إلى كُفْران النعمة وجَحْدِ إحسانِ والده، ووعَدَه وتهدَّده، وبعثَ بالكتاب مع يَنَال بن حَسَّان صاحب مَنْبج، فأغلظ لصلاح الدِّين في الجواب، وقال: السُّيوف التي ملَّكَتْكَ مِصْر هي التي تَرُدُّك. وأشار إلى سيفه، فغَضِبَ صلاحُ الدِّين وقال: ويلك، والله لولا أنَّك رسولٌ لضربت عُنُقك، والله ما جِئْتُ إلى ها هنا شَرَهًا ولا طَمَعًا في الدُّنيا، وفي مِصْر كفايةٌ، وإنما جئتُ لاستنقذ هذا الصَّبيَّ من يد مثلك وأمثالك، فأنتم سببُ زوال دولته. ثم طرده بغير جواب، فعاد إلى حلب.
واستنابَ صلاحُ الدين بدمشق أخاه [سيف الإسلام ظهر الدين](١) طُغْتكين، وسار إلى حِمْص، فأخذها، وفتح حماة، وسار إلى حلب، فاستغاثوا عليه بالإسماعيلية، وأعطوهم مالًا وضياعًا، فأرسلوا إليه جماعةً من فُتَّاكهم، ورآهم ناصر الدين خُمارتكين صاحب أبي قُبيس، فعرفهم، [لأنَّه كان مثاغرًا لهم](١)، فأنكر عليهم مجيئهم، وسَبَقَ إلى خيمةِ صلاح الدِّين ليخبره، فأدركوه على باب الخيمة، فقتلوه، ثم أرادوا الهجوم على صلاح الدِّين، فجذبَ أمير جَنْداره سيف الدين طُغْريل السَّيفَ، وقتلَ واحدًا منهم، واجتمع الغِلْمانُ على الباقين، فقتلوهم.
ورحل صلاحُ الدِّين عن حلب في أول رجب، وجاء إلى حِمْص، ثم نازل بَعْلَبَكَّ، فأخذها في رمضان من الخادم يُمْن الرَّيحاني، ووصل عسكر المَوْصِل إلى حلب، وانضاف إليهم عسكرها، ونزلوا تلَّ السُّلْطان، فساق عليهم صلاحُ الدين وبَغَتَهُمْ، وكان مقدَّمهم عِزُّ الدِّين مسعود أخو سيف الدين غازي. فكسرهم كسرةً عظيمة، وانهزموا إلى حلب، وغَنِمَ أثقالهم وأَسَرَ أبطالهم، وجاء وحاصر حلب، وهذه هي المرة [الثَّانية، والمرة](١) الأولى من كسرة المواصلة.