للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّبَّارة عند القرية، ركب وأرباب الدَّوْلة بين يديه بأَسْرهم، وخدم الخاصَّة، والنَّقيبان وقاضي القضاة، ما عدا [ظهر الدين] (١) ابن العَطَّار، فإنَّه لم يودِّعْه، فلما ركب ضُرِبَ البوق على عادة الوزراء، فلما وصل إلى باب قَطُفْتا (٢)، خرج عليه رجل صوفي وبيده قِصَّة، فقال: مظلوم. فقال الغِلْمان: هاتِ قِصَّتك، فقال: ما أُسَلِّمها إلا إلى الوزير. فقال: دعوه، تعال. فجاء إليه ووثَبَ عليه، وضربه بسكِّين في خاصرته، فصاح [الوزير] (١): قتلني، وسَقَطَ من دابته، وانكشف رأسه، فغطاه مملوكه بكُمَّةٍ، وبقي على قارعة الطَّريق مُلْقًى، وتفرَّق مَنْ كان معه إلا حاجب الباب ابن المعوَّج، فإنه رمى بنفسه عليه، فضربه الباطني بسكِّين فجرحه، فظهر له رفيقان، فقُتلوا وأُحرقوا، وحُمل الوزير إلى داره بقَطُفْتا، وحُمِلَ حاجب الباب إلى داره، وكان الوزير قد رأى في تلك الليلة في منامه كأنَّه يعانقُ عُثْمان بن عَفَّان ﵁، وكان قد اغتسل قبل أَنْ يخرج من داره، وقال: هذا غُسْل الإسلام، وأنا مقتول بغير شكّ. ولم يسمع [من الوزير] (٣) لما جُرح غير قوله: الله الله، ادفنوني عند أبي. [(٤) وحكى جدي ﵀، قال: حدثني، رجلٌ من أهل قَطُفْتا: دخلتُ في اليوم الذي قُتِلَ فيه الوزير قبل قَتْله بساعةٍ إلى مسجد بقَطُفْتا، فرأيت فيه ثلاثة نَفَرٍ قيام أحدهم معترضًا إلى القِبْلة، وقام الآخران فصلَّيا عليه صلاةَ الموت، ثم فعلَ كلُّ واحدٍ منهما كذلك [حتى كملوا الصلاة عليهم قال:] (١) فتعجبت منهم ولم أكلمهم، ولم يكلِّموني، ثم قاموا، فخرجوا، ووثبوا على الوزير، فقتلوه وقُتلوا.

وكانت وفاتُه يوم الخميس، فَغُسِّل وكُفِّن، وحُمل إلى جامع المنصور، وصَلَّى عليه ولدُه الأكبر، ودُفِنَ عند أبيه مقابل جامع المنصور، وحَضَر أربابُ الدَّوْلة بأَسْرهم، وابنُ العَطَّار صاحبُ المخزن، وجلس أولاده للعزاء يوم الجمعة، ولم يقربهم أحدٌ من أرباب الدَّوْلة، فبرز أمر الخليفة: ألا يتخلف عنهم أحد. فحضروا يوم السبت بأَسْرهم،


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) محلة كبيرة ذات أسواق بالجانب الغرب من بغداد، "معجم البلدان": ٤/ ٣٧٤.
(٣) في (ح): لم يسمع منه، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) في (ح): وقال رجل، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).