للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب [القاضي] (١) الفاضل إلى الخليفة كتابًا في [هذا] (١) المعنى، منه: وكان الفرنجُ قد ركبوا من الأمر نُكْرًا، وافتضُّوا من البحر بِكْرًا، وعمروا مراكب شحنوها بالمقاتلة والأَزْواد، وضربوا بها سواحل تِهامة، وأوغلوا في البلاد، وما ظنَّ المسلمون إلا أنَّ الساعة قد نُشِرَ مطويُّ أشراطها، وطُويَ منشورُ بساطها، فثار غضبُ الله لفناء بيته المحرَّم، ومقام أنبيائه المعظَّم، وضريح نبيه المفخَّم ﷺ، ورجوا من فَضْل الله آيةً كآية البيت إذْ قصده أصحابُ الفيل، ووكلوا الأمور إلى الله، فكان حَسْبُهم ونعْمَ الوكيل، فلم يُبْقِ الله من العدوِّ مُخَبِّرًا ولا أَثَرًا ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧١].

وفيها قَصَدَ ملوكُ الشَّرْق السُّلْطان، وهو على حران، جاءه ظهير الدين سكمان شاه أرمن صاحب خلاط، وهو خال صاحب ماردين إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش، وصاحبُ مارِدِين هذا هو خال عِزِّ الدين مسعود صاحب المَوْصل، وسيف الدين بَكْتَمُر غلام صاحب خِلاط، وكان شاه أرمن قد بَعَثَ إلى السُّلْطان يشفع في المواصلة، فلم يقبل منه، فجاء شاه أرمن، فنزل على حَرْزم بدُنَيسر، وخَرَجَ إليه عِزُّ الدين من المَوْصل بعساكره وعسكر حلب، وكان عسكر مِصْر قد وصل منه إلى السُّلْطان خمسة آلاف، فساق إلى رأس العين، فنزلها، فتفرَّقوا، ورجع كلُّ واحدٍ إلى بلاده.

وسار السُّلْطان إلى آمِد، وبها محمود بن إيكلدي، وقد حكم عليه رئيسها مسعود بن علي بن نَيْسان، وكان السُّلْطان قد وَعَدَ بها نورَ الدين محمد بن قرا رسلان على ما تقدَّم، فنصب عليها المجانيق، ولم يبق إلا فتحها، فخرج إليه العقائل من نساء ابن إيكلدي وابن نَيسان يسألونه المُهْلة أيامًا، فأمهلهم.

وفيها قبض الجُنْدُ الذين كانوا بقلعة حارم على سرخك واليها، وأخرجوه منها، ونادوا بشعار السُّلْطان، وبعثوا إليه يسألونه تسلُّمها، فأرسل إليهم من تسلَّمها.

وحج بالنَّاس من العراق طاشْتِكِين.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).