إلى صلاح الدين، فبعثَ الخليفةُ شيخَ الشيوخ عبد الرحيم يأمر السُّلْطان بالرَّحيل على أن يعودَ عز الدين إلى الموافقة، ويعاونه على جهاد الفرنج، فقال العماد الكاتب:[من الكامل]
شيخُ الشيوخ أتى ليصلحَ بيننا … أيظُنُّ أَنَّا في رِباط الزَّوْزَني
وأقام السُّلْطان على المَوْصل أربعين يومًا، ورآه بلدًا عظيمًا، وفيه العساكر، وأَنَّه لا يحصل منه بالحصار غرض حتى يؤخذ ما حوله من القلاع، ويضعف بطول الزَّمان، فرحل ومعه رسول الخليفة، فنزل على سِنْجار في شعبان، وكان نزوله على المَوْصل عاشر رجب، وكان بسنجار شرف الدين بن قطب الدين، فضربها بالمجانيق، فانهدَّ من السور ثُلْمة، فخاف شرف الدين، فطلب الأمان، فأَمَّنه، فخرج بأهله وأمواله وأسبابه إلى الموصل، وأعطى سنجار لتقي الدِّين عمر، وكانت الرياسة فيها لبني يعقوب، فأبقاهم على ما هم عليه، وولَّى القضاء نظام الدين نَصْر بن المُظَفَّر بن محمد بن يعقوب.
ثم رحل إلى حَرَّان، وعادتِ العساكر الدِّيار بكرية إلى مراكزها، وشيخ الشيوخ إلى بغداد، وأقام على حرَّان.
وفيها كانت وقعة الحاجب لؤلؤ مع الفرنج؛ خرج إبرنس الكَرَك إلى أَيلَة، فأقام بها ومعه الأخشاب على الجمال والصُّنَّاع، فعمل المراكب، وكان قصده مكة والمدينة والغارات في البحر، فلما تَمَّ عملها ركب فيها، ووصل إلى عَيذاب في بحر القُلْزُم، فأخذ مراكب التجَّار، ونَهَبَ وقتل وأسر، وسار يريد جُدَّة، وبلغ الخبر إلى العادل أخي السُّلْطان، فأمر حسام الدين لؤلؤ الحاجب، فركب في بحر القُلْزُم، وسار خَلْفهم وساعدته الرِّيح، فأَدْركهم وقد أشرفوا على مدينة النَّبيِّ ﷺ، فهربَ بعضُهم في البَرّ، وأَسَرَ الباقين، فأخذ مئة وسبعين أسيرًا، وخلَّص أموال التجار، وردَّها عليهم، واستولى على مراكبهم، وعاد إلى القاهرة، وكتبوا إلى السلطان بذلك، فقال: تُضْرب رقاب الأسرى، بعضُهم بالقاهرة، وبعضهم بمكة، وبعضهم بالمدينة، ففعلوا.