للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسار السُّلْطان، فنزل على المَوْصل وضايقها، وخرج إليه أهلها العوام والخواص، فقاتلوه، وظهروا عليه، وجاءه الملوك: زين الدين بن زين الدِّين من إرْبل، وسنجرشاه صاحب الجزيرة، وعسكر دياربكر، وكان القتال يعمل كل يوم، ويخرج إليه المواصلة عُراةً (١) يقاتلون، فبينا هو على ذلك جاءه الخبر بوفاة شاه أرمن صاحب خِلاط، وجاءته كتب مقدَّميها يطلبونه، فشاور الأُمراء، فأشاروا عليه بقَصْدها لما رأوا أَنَّهم لا طمَعَ لهم في المَوْصل، وقالوا: ما تفوت الموصل. فسار إلى خِلاط، وفي مقدِّمته ناصر الدين محمد بن [أسد الدين] (٢) شيركوه، وتقيّ الدين عمر، فوصلوا مَيَّافارِقين، وبها الأسد يرنقش مملوك صاحب مارِدِين (٣)، فامتنع عليهم، وقال: أنا وصيُّ يتامى أُستاذي قُطْب الدِّين، وبعد هذا فالأمر للخاتون والدتهم. فأرسل إليها صلاحُ الدين خادمًا، ووعدها أن يتزوَّجها، ويزوج إحدى بناتها بابنه، فأجابته، وسَلَّمت إليه مَيَّافارقين، وأعطاها الهتَّاخ (٤)، وأعطى يرنقش جبل جور.

وكان الحاكم على خِلاط الوزير مجد الدين بن الموفَّق، وهو الذي كاتَبَ السُّلْطان، فبعث إليه الفقيه عيسى ليكشف الحال، فغالطه، وقال: في القلعة سيف الدين بَكْتَمُر وبها ابنة البهلوان زوجة شاه أرمن، وربما جاء البهلوان، فعاد الفقيه عيسى إلى السُّلْطان بغير شيء، وجاء البهلوان بعساكر أذربيجان وهَمَذَان والشَّرْق، ونزل قريبًا من خِلاط، وراسل السُّلْطان يقول: هذه البلاد لابنتي، وهي في القلعة، والمصلحة أن تبقى المودَّة بيننا ودوام الصداقة. فرجع السُّلْطان إلى الجزيرة، ورجع البهلوان إلى بلاده بعد أن حمل إليه سيف الدين بَكْتَمُر أموالًا [وهدايا] (٢).

وقال العماد: كان قُطْب الدِّين صاحِب مارِدِين قد مات، وبقيت الولاية لابنه الكبير وله عَشْرُ سنين، وكان القائم بتدبيره أسد الدين يرنقش، ومات أيضًا نور الدين صاحب آمِد، وتولى ابنه قطب الدين سُكْمان، فسار السُّلْطان إلى مَيَّافارقين، فعصى عليه


(١) كأنه يريد أنهم يقاتلون بلا دروع، وكان الحر إذ ذاك شديدًا، انظر"كتابًا الروضتين": ٣/ ٢٣٠.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) في (ح) و (م) و (ش): "آمد"، وهو تحريف، والمثبت مما يأتي.
(٤) قلعة حصينة في دياربكر قرب ميافارقين. "معجم البلدان": ٥/ ٣٩٢.