للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأعطاه الخطابة (١).

وقال ابن القادسي [في "ذيله"] (٢): إنَّ صلاح الدين خطب، [بالبيت المقدَّس] (٢)، وهو وهم منه.

وخلَّص السُّلْطان من القُدْس ثلاثة آلاف من أسارى المسلمين، وبعث مع الفرنج الدِّين كانوا في القدس من أوصلهم إلى صور، وكان بها المركيس.

[قلت: ولقد ضيَّع السُّلْطان الحزم بتسيير الفرنج إلى صور، ولم ينظر في عواقب الأمور، فإن اجتماعهم بصور كان سببًا لأخذهم البلاد، وقتلهم من قتلوا بعكا من أجناد الإسلام والأعيان، وقد كان الواجب عرضهم على الإسلام، فإن أبوا فالسيف، وهو أصدق أنباء من الكتب، وأنى وكيف. وما أشبه هذه القصة بفدية الأسارى يوم بدر حيث أشار بعض الصحابة لأخذ ذلك القدر، وبعضهم أشار بضرب رقاب، وما صدر ذلك الرأي إلا عن صدر، فلا جَرَمَ قتل منهم يوم أحد سبعون، وأسر سبعون من المسلمين، كما فعلوا يوم بدر بالمشركين] (٢).

وكان القاضي الفاضل بدمشق مريضًا لم يحضر هذا الفتح، فأمر السُّلْطان العماد، فكتب إلى بغداد بالفتح كتابًا منه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ [النور: ٥٥].

الحمدُ لله الذي أنجز لعباده الصَّالحين وَعْدَ الاستخلاف، وقهر بأهل التوحيد أهل الشِّرْك والخلاف، وخَصَّ سُلْطان الدِّيوان العزيز بهذه الخلافة، وبدَّل الأمن به من المخافة، وادَّخر هذا الفَتْح الأسنى، والنَّصْر الأهنى لخادم المقام النَّبوي، ومنحه أخلصَ أوليائه وأخصّ أصفيائه بعد أن انقرض من الملوك الماضية، والقرون الخالية على حسرةِ تمنِّيه، وفوات ترجِّيه، وتقاصرت عنه الهمم، وتخاذلت عنه ملوك الأمم، فلله الحَمْدُ الذي حقَّق بفتحه ما كان في النَّفْس، وبدَّل وحشة الكُفْر فيه من الإسلام بالأُنس، وجعل عِزَّ يومه ماحيًا ذُلَّ أمس، وأسكنه العالم والفقيه بعد البطرك والقَسّ،


(١) في (م) و (ش): قال الفاضل: إنه أنطق الله السلطان بالغيب، فأعطاه الخطابة.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).