للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وميزان، وليس إلا نفوسٌ تُسْلَب، وجثث تُسْحب، ودماء تُسْكب، ومهجات تُطْلب، وكماة على حُشاشاتها تغلب، وفرسان على مناكبها تُقْلب، وحِمامُ الأرواح يجلب، وأخلاف المنيَّة تدرُّ قبل أَنْ تحلب، وشجعان بدماءٍ تُرْمَل، مع ما يعلم أَنَّ الخادم ليس له داعية إلى احتقاب مال ولا احتجانٍ، ولا ارتباط مَقْرَبٍ ولا هِجان، وإنِّ رِكابَ الأحمرِ والأبيض عنده مَلِق، فلا يمرُّ عليه إلا وهو منطلق، وقد مرت عليه أحوالٌ كثيرة، حاملة على التعرُّضِ لرافد الديوان العزيز مثيرة، فمنعه ما يعلم من أثقالٍ تحكم بأن تُحمل عنه، وإن كان البحر لا يَعْدَمُ مجتديًا، والبدر لا يسأم مهتديًا.

وأما ما شرح من أثر سيدنا ومولانا أمير المؤمنين -خَلَّد الله سُلْطانه ومُلْكه، وألحق بعدوه هُلْكَه- وحقوقه الواجبة على الإِسلام والمسلمين من قديم وحديث، ومكتسب وموروث، وكلّ مسلِّم به متعيّن الإقرار، ممن يعتقد فيه متيقن الإسرار، لا يفتقر أن تشقَّق له نهاية العبارات، ولا تتدفق بهاء الإشارات، فالصُّبْح أغنى بانتشار ضيائه مِنْ أَنْ يقال: أضاء أو قد أشرق، قَرَنَ الله كمال مناقبه بالتخليد، ووفقنا لحيازة مراضيه وكافة العبيد، قد شَرِبَ الخادم هذا الدواء، ولا بد له من تصريف، وهو ما يعد له من تشريف، لتكون الزيارة من الحبيب، والدواء من الطبيب، إن شاء الله تعالى.

[(١) قلت: وقد ذكر محمد بن القادسي قصة ابن البُوشَنْجي، فقال: كان] أمردَ في دروب بغداد، فطلعت لحيته، فخرج إلى الشَّام، فخدم يوسف بن أيوب، وسأله أن يرسله إلى الديوان في رسالةٍ، فأرسله، فقامتِ القيامة على الدِّيوان، فلما عاد ابن البُوشَنْجي إلى الشّام أكثر كلامه، فما مضى إلا أسبوع حتى جاءته نُشّابة فذبحته، وكان ذلك عقوبة لما بسط به لسانه.

[قلت] (٢): وهذه من هَنات ابنِ القادسي، فإنَّه كان عاميًا يتعمَّد المثالب، وقد أساء الأدب في مواضع، منها قوله: كان أمرد في دروب بغداد، ومنها قوله عن السُّلْطان يوسف بن أيوب، وما ذكره ببعض ألقابه، ومنها قوله: جاءته نُشّابة فذبحته، جعل الشَّهادة في سبيل الله عقوبة. وهذه الواقعة كانت في هذه السنة، وابن البُوشَنْجي


(١) في (ح): قال المصنف : قال ابن القادسي: كان ابن البوشنجي أمرد في دروب بغداد. والمثبت ما بين حاصرتين من (م)، وفي (ش) خَرْمٌ ذهب بالأخبار من هنا حتى أواخر سنة ٥٨٥ هـ.
(٢) في (ح): قال المصنف، والمثبت ما بين حاصرتين من (م).