وأما ما حصل له من الصِّيت من فَتْحِ مصر فهذا لا يمكن أن يخفى ظهوره، ولا يُطْفا نوره، فإنَّ من احتفَّ بالسُّدَّة الشَّريفة، واقتحم في إعلاء كلمتها الأَهوال المخيفة، انتشر له صيتٌ لا يتوارى، وعلا له صوتٌ لا يُشَك في علوِّه ولا يُتمارى، وعلاؤه معذوق بإعلائها، وارتقاؤه متعلِّقٌ بارتقائها، والكلُّ منسوبٌ إليها، ومحسوبٌ من نِعَمِ الله عليها، وليس الخادم للأَنْعُمِ بجاحد، ولا من أيام اغترافه بواجد.
وأما ما يرجع إلى الفتوح التي افتتحها، ومنائح السبيل التي أوسعها الله للإسلام وفسحها، فأفعاله فيها نجومُ الديوان العزيز سناها، وثمارٌ له ما طاب وعَذُبَ من جناها، حيث بدعوتها يُبْدأ ويُعاد، وبمفاخرها يبنى ويشاد، وباستشراف الأدعية على منابرها ومنائرها يُتَشَرَّف، وبنفوذ التصرفات يُتعبد لأوامرها وباستحكام أواصرها يُتَصَرَّف، فهل من يقتحم غَمَراتها، فيزدحم على حُماتها بلجم نفسه أخطار دوائرها ودواهيها، إلا مترددًا بين أوامرها ونواهيها؟ وهل يُظَنُّ الحِلْم فيه إلا لها لا عليها، والاستقلال بها إلا منها وإليها؟ وهل يكون لمُلابِسها وملامسها صوتٌ أو صيت، ولو ملك جميع آفاقها إلا بجريه على مراضي الخدمة ووفاقها؟ وهل هو عبد الخاصّ والعام، والناقص والتام إلا بمنزلة الرّيش مع الريح يطير بمطارها، ويسير في أقطارها، يفيء حيث فاءت، ويتصرَّف كيف شاءت، لا ينفرد ببَسْط ولا قَبْض، ولا سماء له مع استزادة ولا أرض، هذا مما يمكن إنكاره، أو يسوغُ للعقل ابتداء الرأي فيه وابتكاره؟ لا والله، بل الحقُّ المبين اليقين، والصدق المبين أَنَّ أمر الخدمة الشَّريفة فوق كلِّ أمر، وقدرها أسمى وأسنى من كل قدر، وأن الكل بطاعتها يقفون، وبسُدَّتها الشريفة يحتفون، وليس ذلك مما يُنْكر فيه الواجب، ولا يُسْتر عن العيون بالرَّواجب.
وأما ما ذكر فيه من توفير الغنائم والأثقال، والإعراض عن إفساد السريع النازل منها والثِّقال، فإنَّ العلوم النبوية محيطةٌ بما قد جرت عليه عادة هذه البلاد، من مَرَدِّ ذلك على أهل المكابدة بها والجلاد، وصار ذلك قاعدة مقرَّرة وسُنَّة، ووقاية دون نقلها إلى غيرها وجُنَّة، وعادة المستناب يفوِّض أمره إليه، يجريه مجراه، ويضعه من المصلحة حيثُ يراه، هذا على أَنَّ أكثرها تعتوره النُّهّاب، ويستولي عليه الذَّهاب في حالةٍ لا يمكن فيها المناقشة ولا المشاققة، ولا المنافسة ولا المحاققة، خصوصًا مع ما طرق هذه السنوات، وطبَّق من الهَنات، وما انثال كما انهال من الرِّمال، فأيُّ مال واكتساب يقع بحَصْر واحتساب؟ وأي حاصل يَسْلَمُ للاختزان؟ وأي عطاء يُنْتَظَرُ به لشرط