وأما مواصلة من أُنكرتْ مواصلتهم من الأكراد، فما كان ذلك لثقلهم عن خدمةٍ هو فيها يشاركهم، قيامُ كل بها فَرْضُ عين، من غير تخلُّقٍ ولا مَين، ولكن كانت لهم وشائجُ نسب، وولائج خدم وسبب، فالتُمِسَتْ موافاتهم لتحصل مكافأتهم، وكان التعويل على استخراج الإذن الأشرف عند إجابتهم، فسيرفدهم بعد الإبعاد، فيحسن قِراهم عند القِرى، ويرجعون إلى خدمة المالك، ولولا ما قد أَلِفَ الخادم من التقلُّب في هذه البلاد، والتعرُّف والتصرف فيها لمغالبة أعداء الله بالجهاد، لودَّ أن يكون تحت الولاية الشَريفة حاضرًا كما هو تحتها باديًا، وأن يخدمها باطنًا كما يخدمها رائحًا وغاديًا، فيكون على النّعمة باطنه وظاهره، ويفوز من ذلك بخير الدنيا والآخرة، فبحسن الآراء الشريفة مصبح النّعم وممساها، تتبع أُولى النّعم أُخراها، وباسم الله مجراها ومرساها.
وأما البوازيج، فما تأخر أمرها إلا لأمور عرضت من دونها واعترضت، وموارد تكدَّرت مشاربها وغرضت، وتقلُّب الفرنج في البلاد، وتغلّبهم على حاضرٍ منها وباد، وتنقُّلهم بين الأغوار منها والأنجاد، وتوصلهم إلى البقاع والوهاد، فذاك الذي صرف الهِمَّة عنها والطَّرْفُ إليها طامح، وأوقع الإحجامَ عنها والعَزْم نحوها جانح، وإن خلا لها الزرع، حَصَلَ منها أصلُ المقصود والفرع. وأما الموسومون بالطَّغام، فلا يأنف الغنيُّ منهم الرّغام، وإن كان ما أنكر ثبت عمن له اسم يعتبر، أو وسم يختبر، فإن أنعم بتعريفه أوقع به ما يحذر ولا يعذر، وإن كان من الغثاء والغُتْر، ومن يقلُّ بهم الكُثْر، فأولئك الذين اغتبقوا الجهالة في المهد، ولا يمكن جمعهم على الحقِّ بجهد، وما وجدنا لأكثرهم من عهد، ومن لم يكن له حُلُم يَزَعُهُ، كان في الحلوم الشَّريفة ما يسعه.
وأما ما ذكره فيه بالإنعام عليه بالخطاب المفرد به عمن سواه، فما جهل الإنعام به، فكيف فحواه!
وأما ما تأثر بذلك عند الأطراف، ورجال على الأعراف، فحاله ينوب عندهم عن الديوان العزيز، وتقوم بحجته عند أهل النظر والتمييز، وذلك أنه لم يكن فيهم مَنْ خَدَمَ خِدْمته، ولا قدَّم من مناصحته ما قدَّمه، والبينة عليهم ظاهرة، وبراهين الخادم لهم قاهرة.