المعارضة، لقلت: متى زَلَّتْ بي عن الطاعة قدم، واستقلت بي استقلالًا يحمل على ندم؟ ولم أزل مرتديًا أردية الخضوع عمري، في باطن حالي وظاهر أمري، لا أخلُّ بالمماحضة في مشهدٍ ولا غَيبٍ، ولا أخرج عن المناصحة إلى شُبْهةٍ ولا رَيب، ولا أرفع ولا أضع، ولا أكفُّ ولا أزع، ولا آخذ ولا أدع، ولا أطير ولا أقع، إلا بعد المطالعة بمكنون أمري وخافيه، وما لا يباين ظاهر الصِّدْق ولا ينافيه، وما تعرفت إلى نعمةٍ فكان لها مني تنكير، ولا غفلت عن شُكْرٍ فأفتقر إلى تذكير.
وأما سيف الإسلام، فما جهل فيما اعتمد حقَّ البيتِ وأهله، ولا أنكر حدود حَرَمه، وإنما عاين أمورًا مختلة، وأحوالًا معتلة، فظنَّ أنه يلم شعثها، ويرم منتكثها، ويثقِّفُ اعوجاجها، ويُسَكِّن ارتجاجها، فَعَذْلُ المنتهي عن الغرض، كمن يصف للطبيب غير المرض، وما قصد إلا إطفاء الفتنة وإخمادها، أو صادَفَ الحال إجمادها، ولم تُنْه الحالُ على جليتها، ولا جُليت في حِلْيتها، ولو عَلِمَ أَنَّ هذا يقع من الخِدْمة الشَّريفة موقعَ السُّخْط والإنكار، لكان في حيازة مراضيها شُغْلٌ عن تلك الأحوال، والدُّخول فيها، لكن غَلَبَ على ظَنِّه أنَّ فِعْلَه خدمةٌ يتقرَّبُ بها إلى الآراء الشَّريفة، لا لينتسب إلى الإقدام والاجتراء، والحدود تُدْرأ بالشُّبهات، والتوبة تمحو السيئات.
وأما الاتِّسام بما استأثرتْ به الآراءُ الشريفة من اللقب المعظم، فما كان ذلك إلا مِنْ قَبْل أن يقعَ به الاتِّسام النبوي -زاده الله جلالًا- ولم يرسم فيه ما تقع الطَّاعة في مقابلته بالامتثال والارتسام، ولم يُجهل في ذلك مفروض، ولا طُمع أن يُتناول الجوهر تناول العُروض، وكيف يُحاول كَفُّ الثريا باللَّمْس، وأين السُّها النَّحْلَى من مطالع الشَّمْس، الحق أوضح منارًا، وأوسع مطارًا، وكيف يُخامر هِمَّتَه الكريمة الطمعُ في المشاركة في سمةٍ تتحاماها أطرافُ الرِّماح، وتقصر عينُ كل طَرْفٍ عن الدُّنو إلى ذلك الطِّماح، وما صار لبدر الخدمة الشريفة هالة، ونُكِّبَ عن حالة كان عليها إعلاء حاله، فصار بذلك حَرَمًا، وملئ ما شاء عتقًا وكرمًا، فتحامته الأطماع، ووقع بإجلاله وإعظامه الإجماع، وإنما وقع تواصل ذلك، ولم يُعلم الانقطاع عنه والإمساك لما حصل على توزعها سفار البلاد، وترامت بها الأغوار والأنجاد، فلم يتمكن من استدراكها، ولا ارتجاعها من أيدي ملاكها.
وما كلُّ دارٍ رَوْضُهُ دارَةُ الحِمَى … ولا كلُّ مَصْقُولِ التَّرائب زينبُ