بحسن آرائها انتفاعًا، وأكثرهم بها دفاعًا، والله المسؤول والمأمول أن يوضح الآراء الشريفة ما تشتمل عليه من الولاء ضلوعه، وما عليه تعويله وإليه مرجوعه، غير معرِّج على تخرُّصِ العدو واجترائه، وإقدام الواشي وافترائه، فإنه لا يرى نجاح مقاصده إلا بجميل آرائه، ولا معتقده إلا جُنَّة واقية من بأساء الدهر وضرّائه، وقد وَهَبَ الله تعالى الرَّعايا عامة، والمماليك الخدمة الشريفة خاصة، مِنْ فسيحِ رحمتها ورأفتها، وتغمدها بالعواطف المخطئ والمصيب، ومتثبِّط عن الطَّاعة ومستجيب، ما تحصل به الطمأنينة للعبد، لاسيما لمن لا يتداخله في الخلاف لها حَمِيَّة، ولا مرق عن طاعتها مروقَ السَّهم عن الرمية، ولا أَخَذَتْه عن التنويه في الانقياد لأوامرها سَوْرَةٌ جاهلية، بل يرى طاعته لهذا البيت محضًا لازمًا، وفرضًا جازمًا، مع أنه لم يَشُبْ صفاءَ ودِّه شائبة، وإن رأى يومًا خلافًا رأى ذلك عقًا وجهالة، وإن ابتدعوا الخروج عن الطاعة قال: هذا بدعة، وكل بدعة ضلالة، لا يوافق لها مخالفًا، ولا يكون لنافرٍ عنها آلفًا، بل يجري من محض الطاعة على معهوده، ويبذل فيها قدرته وأنهى مجهوده، ولو حُمِلَ من الأوامر على الأصعب لرآه الأوفق الأقرب، مستعيذًا بالله من زلةٍ تفتقر إلى التجاوز والإغضاء، معترفًا لأنعمه التي ضفت عليه ملابسها، واطمأنت إليه أوانسها، وظهرت عليه صنائعها، وطلعت عليه بالغدوِّ والآصال طلائِعُها، وما ذكر ذلك إلا ليثبت البراءة من تخرُّصِ ما نَقَلَ الناقل، ليحق الحق ويُبْطل الباطل، ثم مع براءة الساحة وثبوت النزاهة، فإنه يلجأ إلى معقل التجاوز والعفو، ويأوي إلى رُكْنٍ شديد يشرع منه إلى مورد الصفو، ولا يخرج ذلك كما رَسَمَ مخرج الاحتجاج والمجادلة، ولا على وَجْه المناقضة والمناضلة، والمجلس السَّامي -أسماه الله- يأْسو بطبه مرض هذه الحال، ويحسم داء هذا القول المحال، ويقول الخادم: إنّ تجرُّعَ مرارةِ الأعذار خيرٌ من التَّسرُّع إلى المعارضة بالإنكار، لا سيما مع ما يأمل من العفو لعظيم الزَّلات، وما ألف من كرم أعراقه، ومكارم أخلاقه بطلب الصَّلاح فيما يأمر به، ويشير إليه، حيث لم يُؤْنس منه إلا إعمال الرَّويَّة الصحيحة، والاعتماد على قوله ﵇:"الدين النصيحة"(١)، ولولا امتثالي لأوامره، واعتمادي لمرسومه عن آخره، فلا أقف مع المناهضة ولا المناقضة ولا
(١) هو عند الإمام أحمد في "المسند" (٣٢٨١) من حديث ابن عباس.