فساد ما أظهره فساد ما أخفاه، لَعُجِّلت عقوبته، ولانتزع لسانه من قفاه، ومَنْ جُلّ همه نَشْرُ الدعوة الهادية كيف يُظَنُّ به أن يسوغ لمن يهدم بهوانه ما بناه، حاش لله، ولولا الوقوفُ على قدم الأدب وقوة الظن أن هذا الضجر لا يقع إلا عن سببٍ لقلت: مِنَ المتزيد غير المتأيد، وأما نسبة ذلك الخادم واعتماده فهو الموجِبُ للهب كبده واتقاده، ونفور جفنه عن رقاده، وكيف يكون ذلك وهو بطاعة هذا البيت الشريف الذي نزلت فيه الآيات، ووردت الأخبار، وعلى ولائه عاش الصلحاء ومات الأخيار، وإليه مقاليدُ الأمور، وعليه أجمع الجمهور، وبفضله نَزَلَ الكتاب، وهلك بذلك المرتاب، فإنه الحَرَمُ المَزُور، والعلم المنشور، ولا يخالف ذلك إلا آثمٌ كفور، وإليه إيالة المغارب والمشارق، وكلما أَفَلَ نجمٌ نَجَمَ شارق، لا تحصى مآثره، ولا تكثر مكاثره، ولا تعدُّ مفاخره، المحمود الممدوح أوله وآخره، ووضوح الحق بذلك واستنارة دلالاته، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فهو معدن المفاخرة وجماعها، والصخرة التي أعيا الرِّجال انصداعُها، والذِّروة التي طال اعتياصها وامتناعها، لم يُغْره من سلطان إنالة، ولا يستطيل غيرهم بما لهم من الاستطالة، ولا يستطيع قائل أن يقول في سواهم هذه المقالة، أمرهم البليغ المطاع، والدُّنيا لهم نسوعٌ وأنطاع، والوَصَاة بطاعتهم من الله ونبيه المختار، أَنَّ السلامة في جماعتهم، ومن شذَّ شذَّ في النار. هذا جُزْءٌ من مناقبهم التي لا يستطيع أحدٌ أن يحصيها، ولا ارتيابَ بها ولا شك فيها، وأنه ما طمع في مناوأتهم إلا من قُمِعَ وُوُتِرَ، ولا ناوأهم إلا من دَرَسَ، فلا عينٌ ولا أثر، ولا يغلبُ عليهم متغلِّب إلا عَثَرَ جَذُه، وعُفِّر خدُّه، وردَّ الله كيده في نحره، ولا يدرك وصف فضائلهم مسهبٌ مطنب، ولا يملك نعت فواضلهم مِصْقَعٌ مُعْرب، طاعتهم واجبة بالاتِّفاق، لازمة في الأعناق، مقترنةٌ بطاعة الله ورسوله على الاطلاع، هذا ما لديَّ عتيد، والله علي به شهيد، وما على من سَمِعَ لَمْزة لَمَزَها متخرِّصٌ، ونُهْزَةً انتهزها متفرِّص عَتْبٌ وملامة، ولا ذنب يكسبه ندامة، وإن هذا عندي أعلمه يقينًا، ولا أفتقر أن أحلف عليه يمينًا، بل مؤكد لا يحتاج إلى تقرير، ولم يتوسَّم أو يتوهم في الخادم غير ذلك، ولو احتوى على ما احتوى عليه كتاب المسالك والممالك، وأنه بحمد الله أمدُّ المماليكِ في الخدمة باعًا، وأسرعهم لأوامرها اتباعًا، وأقبلهم لها طباعًا، وأشدهم