للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَمٌ طويل، عليه صليب، فلما شارفها المُسْلمون وقع الصَّليب، فاستبشروا، ونَصَبوا عليها المجانيق، وصَعِدَ المسلمون سور الرَّبَض، وقاتلوا القلعة، فصاحوا: الأمان، وسَلَّموها ثاني جُمادى الآخرة، وبثَّ السُّلْطان عسكره وأولاده في تلك النَّاحية، فأخذوا جميع الحصون التي بها، بعضها عَنْوَةً وبعضها صُلْحًا، مثل حِصْن بلاطُنُس، وقلعة الجماهريين، وبَكاس، والشُّغْر، وسُرْمانية، ودَرْبَساك، وبَغْرَاس، وأخرب السُّلْطان معظمها، ومن أحْصنها حِصن بُرزَيَه، وهو على سِن جبلٍ شاهق، يُضْرب به المَثَل في المَنَعة والقوة، وعلوُّ القلعة خمس مئة وسبعين ذراعًا، من جوانبها أوديةٌ تحيطُ بها، وصاحبها زوج أُخت البرنس صاحب أنطاكية، وتعرف زوجته بدام سِبِيل وكانت عَيْنًا للسُّلْطان على الفرنج، والسلطان يُهْدِي إليها ويلاطِفُها، وقاتَلَ السُّلْطان القلعة، ففتحها عَنْوَة، وأَسَرَها وزوجها وأولادها، فأحسنَ السُّلْطان إليهم وأطلقهم، وبعث معهم مَنْ أوصلهم إلى أنطاكية، فزادت محبتها للسّلْطان، ومناصحتها له.

وقال العماد: وآخر ما فتحنا حصن بُرزَيَه الذي تُضْرب به الأمثال، ولا تَرْقَى إلى ذُروته مُنَى الآمال، فأخذناه بالسَّيف عَنْوَة، وفتحناه ضحْوة، فيا لها ضحوة أظلمت على أهل التَّثْليث، واشتغل المؤمنون عن ذكر الفتوح القديمة بهذا الفتح الحديث، ولو وكلنا إلى اجتهادنا في هذا الفتح وإلى نفوسنا لتعذَّر، ولكن الله سَهَّلَ ويَسَّر. وسَلَّم السُّلْطان دَرْبَساك إلى عَلَم الدِّين سليمان بن علي بن جَنْدَر، وهي قلعةٌ حصينة، قريبةٌ من أنطاكية.

ذِكْرُ عَقْد الهُدنة بين السُّلْطان وإبرنس أنطاكية:

ولما فتح السُّلْطان هذه الحصون سار يقصد أنطاكية، فنزل الجسر الحديد، فضَعُفَ قلب إبرنس أنطاكية، فراسل السُّلْطان وهاداه، وكانت العساكر الشرقية قد ضَجِرَتْ، وخصوصًا عماد الدين صاحب سِنْجار، وطال عليه المقام، وضعفت هِمَمُ العساكر عن القتال، فهادنه السلطان ثمانية أشهر بمقدار ما تستريح العساكر الشرقية، ويُطلق جميعَ مَنْ عنده مِنْ أُسارى المسلمين، فإنْ جاء الفرنج نجدةً، وإلا سَلَّموا أنطاكية.

وبعث شمس الدولة ابن مُنْقذ ليخلِّص الأُسارى.