للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها جَبَلَة، وكان قاضيها منصور بن نبيل، فأرسل إلى السُّلْطان يشير عليه بقَصْدها، وقيل: إن القاضي والأعيان خرجوا إليه، وهوَّنوا عليه أمرها، فسار من أنطرسوس، وعبر تحت المرْقَب، وهو حِصْن الإسبتار في مكانٍ ضيِّق، وجاء أُسطول الفرنج من صِقلية، واصطفتِ المراكب، ورموا بالزَّنبورك، فمنعوا العَسْكر من العبور، فصفَّ المسلمون الدَّرَق والجفاتي على السّاحل، والرُّماة خَلْفها، وعبروا، وأخذ القاضي من السُّلْطان أمانًا لأهل جَبَلَة، وسَبَقَ به إلى البلد، وكان إبرنس أَنْطاكية قد سلَّمها إلى القاضي، ووَثِقَ به في حِفْظها، فنازلها السُّلْطان، ففتح البلد يوم الجمعة ثاني عشر جُمادى الأُولى، وامتنع الحِصْن عليه يومًا، ثُمّ سَلَّمه إليه يوم السبت بالأمان.

ومنها اللاذقية، سار إليها، وهي بلدةٌ كبيرة على السَّاحل، ولها قلعتان متَّصلتان على تل يشرف على البلد، ولها ميناء من أحسن المواضع، وهي من أطيبِ البلاد، وأحسنها عمارة، فحصرها السُّلْطان، وأقام عليها أيامًا، ففتح البلد، وغَنِمَ المسلمون منه غنائم كثيرة، لأَنَّه كان بلدَ التُّجار، وفيه أموالهم، وكان فتح البلد يوم الخميس رابع وعشرين جُمادى الأولى، فأصبح يوم الجمعة، فنازل القلعتين، وعلَّقوا النُّقوب، فصاحوا: الأمان. فأمنهم، فخرجوا بأموالهم وأهلهم إلى أنطاكية، وولاها السُّلْطان مملوكه سُنْقُر الخِلاطي، وشَرَعَ المُسْلمون في تشويهها، وقَلْع رخامها.

[قال العماد: ولقد كَثُرَ تأسفي على تلك العمارات كيف زالت، وعلى تلك الحالات كيف حالت، ولكن زاد سروري بأنها عادت للإسلام مرابع، ولشموسه مطالع] (١).

وكتب العماد إلى [اليمن إلى] (١) سيف الإِسلام كتابًا منه في وصفها: وهي مدينةٌ جامعة، وخُطَّةٌ واسعة، معاقلها لا تُرام، وأعلاقها لا تُسام، وهي جنَةٌ، وكان يسكنها أهلُ الجحيم، وطالما مكثت بالكُفْر دار بؤس، فعادت بالإِسلام دار نعيم.

ومنها صِهْيَوْن، نازلها السُّلْطان تاسع عشرين جُمادى الأولى يوم الثلاثاء، وهي قلعة حصينةٌ في طرف الجبل، خنادقها أودية هائلة، وليس لها خندق محفورٌ إلا من ناحية واحدة، طوله سِتُون ذراعًا، نُقِرَ في حجر، ولها ثلاثة أسوار، وكان على قُلَّتها (٢)


(١) ما بين حاصرتين من (م).
(٢) القلّة: أعلى القلعة، انظر "معجم متن اللغة": ٤/ ٦٣٩.