للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعساكر واجتهدوا في الوصول إلى البلد، فلم يقدروا، ورماهم الزَّرّاقون الذين في البلد بالنفْط، فلم يحترق منها شيءٌ، وكان بعكا شابٌّ دمشقيٌّ، يقال له ابن النَّحّاس، ليس له في الدِّيوان اسم، وكان عارفًا بالنفط والحريق، فهيّأ ثلاث قدور، وقال لقراقوش: انصبْ لي منجنيقًا، فانتهره، وقال: قد عَجَزَ الصُّنّاع عن ذلك، فمن أنت؟ فقال: قد عملتُ قدورًا لله تعالى، وما أُريد منكم شيئًا، وما يضركم أَنْ أرميَ بها في سبيل الله، فإن نفعت، وإلا فاحسبني واحدًا منهم. فقال قَراقوش: ما يَضُرُّنا ذلك. ثم نُصِبَ له المنجنيق، فرمى قدرة واحدة في بُرْج، فاحترقَ بمن فيه، ثمَّ فَعَلَ ذلك بالثّاني والثالث، فكبَّر المسلمون، وسَمِعَ السُّلْطان، فكبَّر والعساكر، وفرح قَراقوش والأُمراء، وطَمُّوه بالخِلَع والأموال، فلم يأخذ منها شيئًا، وقال: أنا فعلتُ هذا لله تعالى. وكان ذلك صبيحة يوم الجمعة العشرين من ربيع الأول.

قال المصنف : وقد اجتمعتُ بابنِ النحاس في حلب سنةَ ثلاثٍ وست مئة، وحكى لي صورةَ الحريق، وكان يحضُرُ مجالسي، فطابَ قلبه يومًا، فقال للنّاس: اشهدوا أن نصفَ ثوابي في حريقِ الأبراج لفلانٍ. عني.

وبعد يومين من حريق الأبراج وَصَلَ عماد الدين زَنْكي صاحب سِنْجار إلى خِدْمة السُّلْطان، فالتقاه وتعانقا، وساق به السُّلْطان إلى خيمته، فترجَّل عمادُ الدين قبل السُّلْطان، ومشى في خدمته بمقدار ما لَبِسَ السُّلْطان سرموزته، ودخلا الخيمة، وقدَّم له السُّلْطان من التُّحَف والطُّرَف ما لم يقدم مثله، وبَسَطَ له الثياب الأطلس، فمشى عليها، وأنزله في طَرَفِ المَيسرة.

حديثُ ملك الألمان:

وفيها قَطَعَ الألمان خليج القُسْطنطينية إلى بلاد قليج رسلان في ست مئة ألف جاؤوا من إفرنجة، فخافَ منهم ملكُ القُسْطنطينية، فقالوا: لا تخفْ، نحن ما جئنا إلا لنخلص القُدْس وصليب الصَّلبوت، ونملك بلادَ المسلمين. فلما دخلوا بلاد قليج رسلان لم يكن له بهم طاقة، فاحتاج إلى مسالمتهم، وكَتَبَ إلى السُّلْطان يعتذر بالعَجْز عنهم، وساروا طالبين الشَّام، ووقع فيهم الوباء وفي دوابهم، فدفنوا كثيرًا من سلاحهم ظنًّا منهم أنهم إذا عادوا أخذوه، فهلكوا، وأخذ المسلمون ما دفنوه، ووصلوا إلى نهر