للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال المصنِّف : وحكى لي المبارز سُنْقُر الحلبي ، قال: كان الحُجَّاب يزدحمون على طَرَّاحته، فجاء سُنْقُر الخِلاطي ومعه قصص، فقدَّم إليه قصة، وكان السُّلْطان قد مدَّ يده اليمنى على الأرض ليستريح، فداسها سُنْقُر الخِلاطي ولم يعلم، وقال له: عَلِّمْ عليها. فلم يجبه، فكرَّر عليه القول، فقال: يا طواشي أُعلِّم بيدي أو برِجْلي. فنظر سُنْقُر، فرأى يد السُّلْطان تحت رِجْله، فخجل، وتعجَّب الحاضرون من هذا الحِلْم. ثم قال السلطان: هاتِ القِصَّة، فعلم عليها. وما زال السُّلْطان على هذه الأخلاق طول زمانه، حتَّى توفاه الله إلى مقرِّ رحمته ورِضْوانه.

ذِكرُ وفاته: لما كان سادس عشر صَفَر وَجَدَ كسلًا، وحُمَّ حُمَّى صفراوية، وكان قد ركب، فالتقى الحاج، وبكى وتأسَّف حيث لم يكن معهم، وأصبح يوم السبت والحُمَّى بحالها، وتزايد به المرض حتَّى ضَعُفَ، وأجمع الأطباء على أنَّه لا يفصد، فخالفهم الرَّحْبي الطبيب، وفصده، فكان سببَ وفاته، وحُجِبَ عن الرِّجال وتولَّاه النساء، وأحضر الأفضل الأمراء: سَعْد الدِّين مسعود أخو بدر الدين مودود شِحْنة دمشق، وناصر الدين صاحب صهيون، وسابق الدين عثمان صاحب شَيزَر بن الدَّاية، وميمون القَصْري، واليكي الفارس، وأيبك فطيس، وحسام الدين بشارة، وسامة الجيلي وغيرهم، فاستحلفهم لنفسه، وكان عند السُّلْطان أبو جعفر إمام الكلاسة يقرأ القرآن، فلما انتهى إلى قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الحشر: ٢٢] وكان قد غاب ذِهْنه، ففتح عينيه، وقال: صحيح.

وكانت وفاته يوم الأربعاء بعد صلاة الفجر، في السَّابع والعشرين من صفر، وغسله الخطيب الدَّوْلعي، وصلَّى عليه القاضي محيي الدين بن الزكي، وبعث له القاضي الفاضل الأكفان والحَنُوط من أَحلِّ الجهات، ودفن بدار البُسْتان موضع جلوسه.

قال ابن القادسي: ودُفِنَ معه سيفه. وقال الفاضل: هذا يتوكأ عليه في الجَنَّة. وهو وهم من ابنِ القادسي، [لأنَّ سيفه بعث به ولده الأفضل إلى بغداد، وسنذكره] (١) وعمل الأفضل له العزاء ثلاثة أيام، وحَزِنَ النَّاس عليه حُزْنًا لم يحزن على قبله مثله.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).