للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال العماد: دخلنا عليه ليلة الأحد للعيادة، ومرضه في زيادة، وفي كلِّ يوم تضعف القلوب، وتتضاعف الكروب، ثم انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء سُحْرة يوم الأربعاء، ومات بموته رجاءُ الرِّجال، وأغرب بغروب شَمْسه فضاءُ الإفضال، ودُفِنَ بقلعة دمشق في مسكنه، ودفن جِماعُ الكرم والفَضْل في مدفنه، ورثاه الشعراء، [(١) وبكاه الفصحاء، فمن ذلك قصيدة ذكرها العماد في "البرق الشامي"، عددها مئتان وعشرون بيتًا، ذكرت هاهنا غُررها، وسطرت دررها، وذكرت منها ما حَسُنَ ذكره، وأهملت ما سمج هذره، وأولها:] [من الكامل]

شَمْلُ الهدى والمُلْكِ عَمَّ شتاتُهُ … والدَّهْرُ ساءَ وأَقْلَعَتْ حسناتُهُ

[ومنها] (٢):

بالله أين النَّاصِرُ الملك الَّذي … لله خالصةً صَفَتْ نِيَّاتُهُ

أين الَّذي مُذْ لم تَزَلْ مَخْشِيَّةً … مَرْجُوَّةً هَبَّاتُهُ وَهِبَاتُهُ

أين الَّذي كانت له طاعاتنا … مبذولةً ولرَبِّهِ طاعاتُهُ

أين الَّذي ما زال سُلْطانًا لنا … يُرْجى نَدَاه وتُتَّقى سَطَواتُهُ

أين الَّذي شَرُفَ الزَّمان بفَضْله … وسَمَتْ على الفُضَلاءِ تَشْريفاتُهُ

لا تَحْسَبُوه ماتَ شَخْصٌ واحدٌ … قد عَمَّ كلَّ العالمين مماتُهُ

مَلِكٌ عن الإسلام كان محاميًا … أبدًا لماذا أَسْلَمَتْهُ حُماتُهُ

قد أظلمت مُذْ غاب عنَّا دُورُه … لما خَلَتْ من بَدْره داراتُهُ

دُفِنَ السَّماحُ فليس تُنْشَرُ بعدما … أَوْدَى إلى يوم النُّشور رُفاتُهُ

الدِّينُ بعد أبي المُظَفَّر يوسُفٍ … أَقْوَتْ قُواه وأَقْفَرَتْ ساحاتُهُ

بحرٌ خلا من وارديه ولم تَزَلْ … محفوفةً بوروده حافَاتُهُ

مَنْ لليتامى والأرامل راحِمٌ … متعطِّفٌ مفضوضةٌ صدقاتُهُ

لو كان في عَصْرِ النَّبيِّ لأُنْزِلَتْ … من ذِكْرِهِ في ذِكْرِهِ آياتُهُ

بَكَتِ الصَّوارِمُ والصَّواهِلُ إذ خَلَتْ … من سَلِّها وركوبها عَزَماتُهُ


(١) في (ح): ورثاه الشعراء، فمن قصيدة، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).